إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.أَمَّا بَعْدُ:�في هذه الجمعة المباركة أقف أمامكم لأذكر نفسي وإياكم بنعمة جليلة .. ومنة كبيرة .. هذه النعمة هي مطلب كٌلِ أمة ، وغاية كل دولة ، من أجلها جندت الجنود ، ورصدت الأموال ، إنها نعمة الأمن .. وما أدراكم ما نعمة الأمن التي كانت أولَ دعوةٍ لأبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حينما قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وارزق أهله من الثمرات) .. فقدّم إبراهيم نعمة الأمن ، على نعمة الطعام والغذاء ، لعظمها وخطر زوالها . و والله وتالله إن أشهى المأكولات ، وأطيبَ الثمرات ، لا تُستساغ مع ذهابِ الأمن ونزولِ الخوف والهلع ذلكم أنه لا غناء لمخلوق عن الأمن ، مهما عز في الأرض، أو كسب مالاً أو شرفاً أو رفعة.
أيها الأحبة :
لقد إنتشرت في الأيام الأخيرة في بعض المدن لدينا بعض التفلتات وانفرط عقد الأمن فيها لساعات وعمت في أسواقها الفوضى وتعطلت مصالح الناس وكثر الهرج والسرقات وأعمال السلب والنهب في غياب شبه تام للأجهزة المناط بها حفظ الأمن والنظام والتي لابد أن الله سائلها يوم القيامة عن هذا الغياب وذلك التلكوء البين الواضح حيث أن الأمن جدير بأن نبذِل في سبيله كلَّ رخيص ونفيس ، وأن نستثمَرَ الطاقات ونُسخَرَ الجهودُ والإمكانات ، في سبيل الحفاظ عليه وتعزيزه .�عن عبيد الله بن محصنٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) . رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن ، فأنظروا عباد الله قيمة التمتع بالأمن والطمأنينة .
عباد الله ..
حتى نحافظ على الأمن في البلاد ، فلا بد من تربية الأمة على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته فإن النفوس المطيعة لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردعها عن الجرائم ، لأن رقابة الله والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لا يغادره في جميع الأحوال فالمعاصي والأمنُ لا يجتمِعان، فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النقم، قال سبحانه في الآية 53 من سورة الأنفال : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ، وما نزل بلاءٌ إلاَّ بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي من دخله كان من الآمنين.�وبالخوف منَ الله ومراقبتِه يتحقّق الأمن والأمان، فهابيل امتَنع من قتلِ قابيل لخوفِه من ربِّه جل وعلا، قال الله تعالى في سورة المائة الآية 28 (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) �أيها المسلمون :
إن حِفظُ الأمن الفكري والأخلاقي والعسكري في بلادنا (خط أحمر) يجب عدم المساس به أو مجرد الإقتراب منه وعليه فإننا ندين أي عمل أو فعل أو قول أو فكر أو تخطيط يخل بالأمن ويهدد استقرار البلاد كما ندين أي تقاعس أو تهاون من جميع الجهات التي يقع على عاتقها حفظ الأمن بما في ذلك الأنفس والممتلكات العامة والخاصة حتى لا تنتشر هذه التفلتات ويسود الخوف والهلع كل شرائح المجتمع وتزول عن حياتنا هذه النعمة العظيمة .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا , وول علينا خيارنا واكفنا شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يارب العالمين أنْ يَهديَنا والمسلمين أجمعين إلى ما فيه خَيْرُنا وخيْرُ أُمَّتِنَا وخيرُ المسلمين في جميعِ بقاعِ الأرض، وإلى مَا فيه نَجاتُنا مِنَ المهالِكِ في الدنيا والآخرة وأن يُحسِنَ خِتامَنا. وصلى الله وسلم على نبينا مُحمَّدٍ وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين ..
