الحمدلله وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له يعز مَن يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين…
أما بعد، أيها الأحبة:
إن الحرية مبدأ من مبادئ الإنسانية وقيمة من قيم الإسلام السامقة، هي غاية عظيمة وهدف نبيلٌ شريف يناضل من أجله المصلحون الذين يخوضون من أجلها المعارك الدامية ويبذلون من أجلها أكرم الشهداء حتى لا يستبد الظلمة والمسرفون والمفسدون في الأرض وما ثورات الربيع العربي التي شهدناها والثورة السودانية التي تجري فصولها الآن إلا من أجل العتق من الاستبداد و من أجل الحرية، فالحرية حقٌ للإنسان منذ أن خرج من بطن أمه، صاح بها عمر رضي الله عنه قبل 1400 عام فقال: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا»..
إن الإسلام يا أحباب قد جعل الحرية مبدأ للتطبيق لأنه يعلم أن الحرية فطرة الله التي فطر الناس عليها، لأنها حقٌ طبيعي لأي إنسان ويكفيه إنسانيته لأن يكون حرًا، لأن الحرية ضرورة للحياة البشرية،لأن الحرية حقٌ من الله الذي خلق الإنسان فسواه فعدله وطبَّق الإسلام هذا المبدأ تطبيقًا أصيلًا، فقال في حرية الاعتقاد {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ}.
بل أن ديننا الحنيف يأمرنا أن نتخاطب مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
أما حرية التفكير والرأي فلقد أكد الإسلام عليها بل له القدح المعلى فيها، والتأكيد عليها فالإسلام يحترم العقل ويحترم العلم، ولذلك أوصى بحرية التفكير وحرية إبداء الرأي.. انظروا إلى آيات القرآن وانظروا إلى أحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وهي ترفع من مكانة العقل والعقلاء والعلم والعلماء.. لقد أطلق الإسلام للمسلم حرية التفكير ثم أتبعها بحرية التعبير كيف لا وفي ديننا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
وكلنا يتذكر تلك المرأة التي قامت في وجه عمر لما دعا إلى تخفيض المهور، فقالت: يا أمير المؤمنين قولك هذا مردود بقول الله -عز وجل- { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }. فماذا قال عمر؟ هل قال لها: اخرسي واسكتي.. لا والله، قال: «إن كل الناس أعلم منك يا عمر حتى النساء.. أصابت امرأة وأخطأ عمر».
عباد الله:
لقد كان من نتائج هذه الحرية في القرون الأولى للإسلام أن ازدهرت العلوم وامتلأت المكتبة الإسلامية بذخائر الثقافات في شتى الفنون ، في المنطق والفلسفة والطب والكيمياء والهندسة والرياضيات والفلك ما استفادت منه الحضارات الغربية ولمَّا فقدت الأمة اليوم حريتها وصودر تفكيرها وصودرت حرية تعبيرها أصبحت الأمة اليوم أمة متخلفة في شتى نواحي الحياة فلا وربي لا انطلاق لنا إلا بالحرية.
أيها الأحباب :
لنعلم جميعًا أن الحرية هي هبة من الله الذي خلقنا فسوانا ورزقنا، فإن الله عز وجل قد خلقنا أحرارًا، ونسأل الله أن يميتنا أحرارًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه وأسأل الله عز وجل أن يفرج عن كل مسلم في كل قطرٍ من أقطار الأرض، وأن يعطيه حريته.. وصلوا وسلموا على خير الورى محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم- ومَن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.. اللهم تولّ أمرنا، وأحسن خلاصنا، وحسِّن بفضلك خاتمتنا، وكن معنا ولا تكن علينا، اللهم فرج شدتنا ووحد كلمتنا وأذهب عنا ما نحن فيه من كرب وبلاء ، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا واشف مرضانا..
عباد الله..
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}.
… وأقم الصلاة