الكتابة إحساس، لذا عاهدت نفسي ومنذ أن أمسكت بالقلم، اللا أكتب إلا ما أحسه، لم أكتب يوما لمجرد الكتابة باعتبارها مهنة اتقاضى عليها أجراً نهاية الشهر بقدر ما كانت هي رسالة مقدسة أسعى لمنحها كل ما املك من حب وشغف وقناعة بما أكتب، وعندما فقدت هذا الشغف، كان من الطبيعي أن تتوقف سنة القلم عن الانغماس في الحبر، فمع الأحداث المؤلمة بات لون الحبر عندي أشبه بلون الدم.
الكتابة عندي إحساس بالمقام الأول، هي قضية ومشروع حلم فسيح بوطن مختلف لا يشبه إلا ذلك الوطن الذي نهوى ونسعى بكلياتنا وننصرف لتحقيق الحلم وجعله واقعا ملموسا.
لذا توقف هذا القلم بعد أن تبدد الحلم الذي أمضينا سنوات طوال في جعله ممكنا، عانينا خلاله ما عانينا، سالت من أبنائنا دماء طاهرة مهرا لجعل الحلم ممكنا، لم يكن سهلا علينا أن نرى مجهود سنوات وكل ما تحقق من إنجاز لأعظم ثورة شعبية سلمية يتبدد أمام أعيننا ونحن لا نملك ما نقدمه لشعبنا ولشهدائنا.
الأيدي القذرة عملت منذ اليوم الأول على قتل الفرحة داخل كل البيوت السودانية التي تنفست أخيرا بما تحقق من إنجازات أعادت السودان مرة أخرى إلى واجهة الدول المحترمة ذات السيادة الوطنية، وما تلى ذلك من إجراءات كانت كفيلة بأن تضع السودان خلال عشر سنوات في صدارة دول القارة والمنطقة ككل.
الخيانة والعمالة والأنانية التي تجسدت في شركاء الفترة الإنتقالية (المزعومين) والتي أعادوا بها النظام السابق بوجهه الكالح وواجهاته الفاسدة وآلته القمعية الباطشة، لم يكن بالأمر الهين ولا السهل بالنسبة لنا، لذا توقف هذا القلم وما حدث احتاج منا فترة ليست بالبسيطة لاستيعابه، فليس أصعب على الكاتب من ان يكون مجرد كي بورد يصنع حروفا جافة، او لمجرد ان يقول (أنا أكتب، إذاً أنا موجود).
باءت كل محاولاتي في العودة بذات الروح والنفس والرغبة، بالفشل المتواصل طيلة الأشهر الماضية، لذا اطمح ان يجد لي القارئ العذر في الغياب القسري، آملة العودة التدريجية لأداء رسالتي بذات الرغبة والإحساس مرة اخرى.
وضح أن الإنقلاب على الثورة كان مخططا له من قبل (العسكر) منذ اليوم الأول، لم يكن نجاح المكون المدني في حكومة الفترة الانتقالية يعني لقادة المكون العسكري سوى (حبل المشنقة) الذي سيلتف حول أعناقهم قريبا، لذا كان خيار الإنقلاب.
سعوا بكل قواهم لإحداث الشقاق بين الشعب وممثليه في الحكومة وفي الحرية والتغيير التي إرتضاها الشعب ممثلا له منذ البداية. نجح العسكر في مخططه بكل أسف وأظهر الحرية والتغيير كما الخائن في أفلام الكاوبوي الامريكية، نعم للحرية والتغيير أخطاء لا ينكرها إلا من كان في عينه غشاوة، ولكن ما حدث اوضح ان الحقيقة كانت (إفشال ممنهج) خلاصته كانت إجهاض كل ما تحقق في 25 أكتوبر بقوة السلاح الذي لا يملكه إلا هم ومليشيات الحركات المسلحة التي قدم لها الشعب (وردة وتمرتين، فردت جميله بطلقة في نص كبدتو).
الشعب اليوم أحوج ما يكون للوحدة التي مكنته من إسقاط نظام الديكتاتور في 2019 ، لا مجال لأي تشكيك او تخوين من كافة قوى الثورة المؤمنة بإسقاط نظام البرهان وإنهاء سيطرة الجنجويد وأرزقية ومرتزقة (طرح بحر).
الحساب قادم لا محالة لكل من أخطأ، ولكن الأخطاء نسبية بطبيعة الحال، فخطأ من أغفل معالجة ملف ليس بذات خطأ من قتل أو إغتصب او سرق او تآمر على الوطن.
الفرصة الآن أمام الشعب ليتفق على إسقاط من تبقى من بروس الإنقاذ، وبعدها فله الحق في محاكمة ومعاقبة الحرية والتغيير وأحزابها في أخطائها إن كانت تستحق.