حين أتيحت الفرصة للصحافيين لطرح أسئلتهم على رئيس الوزراء حمدوك في مؤتمره الصحفي الأخير، الذي أعلن من خلاله تشكيل آلية مبادرته (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال..الطريق الى الأمام)، انبرى زميلنا الأصغر بهذه الصحيفة (الجريدة) حافظ كبير وطرح على رئيس الوزراء سؤالاً على طريقة (الاستفهام الاستنكاري)، الذي يقصد من ورائه المستفهم استنكاره لواقعة ما أكثر من سعيه للحصول على اجابة..حافظ كبير سأل رئيس الوزراء عن كيف له أن يضم الى تشكيلة الآلية شخصيات لها ارتباطات وعلاقات وصلات بحزب المؤتمر الوطني المحلول، مع أن الوثيقة الدستورية تحظر نشاط هذا الحزب ومنسوبيه وتمنع التعامل معهم طوال عمر الفترة الانتقالية، وسمى كبير من هؤلاء ناظر عموم قبائل الهدندوة ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، سيد محمد الأمين ترك المعروف بانتمائه للمؤتمر الوطني والحركة الاسلامية، والناظر محمد سرور محمد رملي، الذي كان مرشح حزب المؤتمر الوطني المحلول عن الدائرة (23) الريف الشمالي بحري..لم يحر رئيس الوزراء جواباً رداً على هذا السؤال المحرج، وانما أجاب بكل حصافة ولباقة على السؤال بما يخرجه بسلام من هذا (المطب الصحفي)..فرئيس الوزراء لم يرد أصالة عن نفسه وانما بالوكالة عن أحد زعماء الادارة الأهلية باعتبار أن المذكورين جاء ضمهم للآلية بوصفهم قيادات في الادارة الأهلية، فقال حمدوك حدثني أحد نظار الادارة الأهلية بأنهم شاركوا في كل الأنظمة التي تعاقبت على السودان من قبل الاستقلال، اذ عملوا مع الانجليز، وعملوا مع عبود، ومع النميري، ومع الحكومات الديمقراطية، ومع البشير، والآن يعملون معه وسيعملون مع من يأتي بعده..وقد صدق هذا الناظر..
غير أنني أضيف لما قاله هذا الناظر عن تماهي رجالات الادارة الأهلية مع كل الأنظمة، أن هناك أيضاً آخرين من غير زعامات الادارة الأهلية يتماهون مع أي نظام حكم يتربع على السلطة، وهؤلاء أسميهم (جماعة كل حكومة)، يغيرون جلودهم كما يغيرون جلابيبهم ويلبسون لكل نظام لبوسه، ويظلون هكذا في وضعية التنقل والعبور من ضفة الى أخرى ومن النقيض الى النقيض دون أدنى احساس بالحرج والخجل، فهم دائماً عابري سبيل وطارئين غير اصيلين في انتمائهم السياسي، وهؤلاء دائماً ما يلتزمون صف أية حكومة ويمالئون الأقوى صاحب السلطة والسطوة والمال ليس خوفا على مصالحهم واستثماراتهم فقط، وإنما لرعايتها وتأمينها وتنميتها، وبعضهم خوفاً على وظيفته، وعندما أدرك د.نافع حبيس كوبر الآن والقيادي بالنظام السابق البائد نفسية هؤلاء، خاطبهم بعبارته الشهيرة (من أراد أن يستنفع فعليه بالمؤتمر الوطني، ومن أراد أن يستوزر فعليه به أيضاً)، ولا عجب، فهكذا هم الانتهازيون والوصوليون في أي مكان، ليسوا أصحاب مباديء راسخة ولا ثوابت دائمة، بل مصالح دائمة، ولهذا قال فيهم استاذ علوم سياسية من أفريقيا (إن السياسيين في أفريقيا مثل نشرة الطقس في الاذاعة، أمطار هنا اليوم وهناك غدا، وسحب تغطي منطقة اليوم وتغطي أخرى غداً، هكذا هم كل يوم في مكان)..فكم يا ترى من أمثال هؤلاء يتحلقون اليوم حول مطابخ صناعة القرار والترشيح للمناصب، بل كم ممن تم تعيينهم فقط لمهارتهم في تسويق أنفسهم وبراعتهم في عرض بضاعتهم..
الجريدة