:: بتاريخ 11 يونيو 2017، كتبت زاوية تحت عنوان (الحياد المشوب بالحذر)، وتستحق إعادتها اليوم بلا تعليق، وهي بالنص : (لا يختلف عاقلان أن تقلبات طقس السياسة العالمية والإقليمية قد وضعت بلادنا في قلب الأحداث الخارجية.. والقضية التي ستظل تواجه بلادنا ليست هي فقط أزمة الخليج الراهنة وتحالفات أطرافها، ولا قضية مياه النيل وتحالفات دولها، ولا أجندة إيران الطائفية، ولا المسماة بمكافحة الإرهاب فحسب.. فالقضية الكبرى هي (من ليس معنا فهو ضدنا)، أو هكذا نهج السياسة العالمية التي تُرغم كل الدول أن تختار الـ(مع أو الضد).. ولا توجد منطقة وسطى كانت تسمى في السابق بدول عدم الانحياز..!!
:: وعليه، فإن موقف السودان من أزمة الخليج لن يستمر (طويلاً)، لأن حبل الحياد لم يعد يصمد ما بين شد وجذب التحالفات.. ويبدو أن موقف الحكومة السودانية حياد مشوب بالحذر والتوجس .. أي ما لم تجد الأزمة الخليجية حلاً سلمياً وعاجلاً، فمُرغم هذا الشارع – المنهك اقتصادياً والمرهق سياسياً – على وداع مرحلة الحياد المُعلن حالياً إلى مرحلة الاختيار الصعب، بحيث يكون (مع أو ضد).. هذا أو سوف يخسر كل أطراف الأزمة التي تطمع في انحياز سوداني يؤكد متانة العلاقات والإيمان بالقضية التي هم فيها يتقاتلون ..!!
:: وقادر شعبنا على مواجهة مخاطر التحالفات الإقليمية – في سبيل قضايا وطنه – بصبر الصابرين.. ولن يبخل بالنفس والمال ليدافع عن قضايا بلاده.. ولكن ليس عدلاً، ولا من الحكمة السياسية، أن يقاتل شعبنا ويواجه مخاطر التحالفات الإقليمية وهو منهك اقتصادياً ومهترئ سياسياً.. ولتعلم الحكومة أن حال الشعب أمام مخاطر التحالفات الإقليمية لا يختلف كثيراً عن (حال السجناء).. فالأحوال الاقتصادية والسياسية كانت ولا تزال تقيد الشارع السوداني وتكبله بحيث لا يكون حراً ومستقلاً في اتخاذ القرار الجرئ (مطمئناً)، كما فعلت الدول من حولنا..!!
:: وإن لم يكن هذا الشعب المخلص، والذي يكظم حزن واقعه الاقتصادي في الملمات، ويترفع عن آلام حاله السياسي عند الشدائد، جديراًً بحل تلك القيود عن إرادته، فمن الجدير؟.. وإن لم يكن هذا الشعب المحب لوطنه جديراً بأوسمة الحرية والديمقراطية والعدالة، فمن الجدير؟ وفي تاريخ العرب، عمرو بن أبي وقاص كان حكيماً حين اعترف بحرية أبو محجن الثقفي – في ساعة الشدة – وأطلق سراحه.. وتلك حكمة تصلح لهذا الزمان، بحيث ترسم بها حكومة السودان واقعاً سياسياً يتكئ على الحريات والعدالة والسلام الشامل والتنمية..
:: فالحريات والعدالة والسلام والتنمية هي عوامل القوة التي تمكن الشعوب والأوطان من اتخاذ القرارات الصائبة والشجاعة في غابات التحالفات التي لا تعترف بالمواقف الرمادية المسماة بـالحيادية.. ومن الخير للحكومة أن تدافع عن سياساتها الخارجية وتحالفاتها – السياسية والعسكرية – شعبها شريكاً معها في (مع وضد)، وليس – كما الرهائن – حبيساً في جدران اقتصاد مأزوم وسياسة مهترئة..ومن الأفضل أن تقرأ الحكومة هنا الوضع الداخلي ثم تسارع إلى تغيير إيجابي يؤدي إلى السلام الشامل ويحترم الرأي الآخر وينقذ الاقتصاد الوطني من ذل المنح والقروض..!!))