كان المُؤمَّل أن تَحدث تغيُّراتٌ إيجابية نوعاً ما في الأوضاع الاقتصادية، مع التحسُّن الواضح والكبير الذي حدث في الإنتاج الزراعي.
القطاعان المروي والمطري حقَّقَا إنتاجية عالية خاصة مع النجاح الكبير لموسم الأمطار. وكذلك المتوقع للموسم الشتوي الحالي في كل المحاصيل خاصة القمح.
لكن ورغم ذلك تزداد الضائقة المعيشية على الناس وتستحكم حلقاتها يوماً بعد يوم وساعة بساعة، دون أي مؤشرات لانجلاء الأزمة.
كل يوم نزداد يقيناً بأن مشكلتنا لا هي إنتاج ولا موارد ولا السودان دولة فقيرة، ومطلوبٌ منها أن تتسوَّل غذاءها من الآخرين.
لقد تأكد جليّاً أن المشكلة الحقيقية هي مشكلة تفكير، ومشكلة إدارة موارد، ومشكلة إدارة قادرة على الفعل والتنفيذ.
الشارع العام يُصيب المرء بالإحباط.. أزمة مواصلات خانقة.. صفوف في كل شيء.. شح الكاش.. ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.. إحباط حتى في عرض الحال الذي أصبح يغني عن الكتابة.
قالت العجوز في صف الخبز: )يا أخوانا المسؤولين ديل يا ما بحسوا أو كمان ما شاعرين بالمعاناة وحاجاتهم بتجيهم جاهزة في بيوتهم(. وقالت امرأة أخرى: )المُؤكَّد أن الناس الفوق بتجيهم تقارير مضللة عن حال الناس(.
بعيداً عن الدولار الذي يمدُّ بصره بعيداً عن شارع الستين، حتى المُنتجات المحلية والمحاصيل المزروعة في أراضي السودان ارتفعت أسعارها بشكل فاق الخيال بسبب النقل وعوامل أخرى.
الحكومة لا خيارات كثيرة أمامها: إما حل المشكلة بأسرع زمن، أو أن تعلن فشلها أمام الرأي العام .
الحل الأسرع هو توسيع مشاركة المجتمع في التفكير والتدبير لوضع أسس لإدارة الاقتصاد الكلي بعيداً عن الأفكار الضيقة التي تربط الحلول بتفكير جماعة الحزب الحاكم أو أحزاب الحوار الوطني.
المطلوب الاتفاق على رؤية واضحة وتبني استراتيجية شاملة يشترك فيها الجميع وصولاً إلى نتائج مهما كانت كلفتها على نظام الحكم القائم.. علينا جميعاً تحمل المسؤولية الوطنية في هذا الظرف الحرج الذي ما عاد يتحمل التسويف والانتظار.
لا حكومة ولا معارضة تستطيع لوحدها أن تصل لحلول للأوضاع الاقتصادية الحالية، لذلك من المهم أن يتّفق الجميع على تجاوز الخلافات السياسية من أجل قضية واحدة، وهي حياة المواطن السوداني الذي يختلفون من أجل حكمه.
الأزمة الاقتصادية الحالية كشفت الغطاء عن جميع الأحزاب السياسية حاكمة ومعارضة، وأوضحت أن الشعارات التي ترفع من أجل المواطن ما هي إلا شعارات كاذبة لا علاقة لها بالواقع وأنها مجرد نفاق سياسي وصولاً إلى المناصب فقط.
بحثتُ عن أي نتيجة في برنامج رئيس الوزراء الذي دعمناه إعلامياً، فلم أجد غير مزيد من تعقيدات الأزمة ومزيد من الضائقة المعيشية، لكن ليتنا نجد ما يُبعدنا عن خيبة الأمل في مقبل الأيام.