عدة أوبئة تضرب البلاد بداية بالملاريا إلى الإسهالات، ثم حمى الوادي المتصدع المتوقع وفقاً للأطباء أن تصل إلى ولاية الخرطوم، وانتهاء بحمى الكنكشة التي وصلت نيالا، إلا أنه في ظل هذا الزخم يبدو أن السلطات الصحية منشغلة بصراعات إدارية وأمور انصرافية حسب خبراء صحيين تحدثوا لـ(الصيحة).
فقد أعفى وزير الصحة الاتحادي أكرم علي التوم مدير عام وزارة الصحة بولاية الخرطوم د. بابكر محمد علي من منصبه، وأصدر قراراً آخر بتعيين أسامة عبد الرحيم بدلاً عنه.
وكان مدير عام الصحة بولاية الخرطوم قبل يومين أعفى مدير مستشفى أمدرمان بعد يوم واحد من تعيينه، في خطوة عدها البعض أنها محاولة من أنصار النظام السابق لإيقاف ثورة التغيير في الخدمة المدنية، كون أن بابكر محمد علي ظل يشغل المنصب منذ تولي وزير الصحة بولاية الخرطوم السابق مامون حميدة في عهد الرئيس المعزول المشير عمر البشير.
أصل المطالبة
قبل أيام أمهلت لجنة مقاومة مستشفى أمدرمان وزارة الصحة بولاية الخرطوم 48 ساعة لإحداث تغييرات شاملة في مستشفى أمدرمان مهددة بالشروع في تنفيذ إجراءات ما أسمته بالتصعيد الثوري في حال عدم تنفيذ طلباتها، وطالبت اللجنة بإقالة إدارة مستشفى أمدرمان وسمت د. محمد الحاج حمد مديرًا عاماً جديداً للمستشفى. غير أن إقالة مدير عام وزارة الصحة بولاية الخرطوم أحدثت لغطاً كثيفاً وشن عدد من الكوادر الطبية هجوماً على قرار الوزير بإقالة المدير العام ووصموه بغير القانوني لجهة أن قانون الحكم المحلي أعطى الولاة صلاحيات التعيين والإقالة للوزراء الولائيين والمديرين العامين للوزارات، ويبدو أن هذا القانون ضرب به عرض الحائط عندما دعت وزارة الصحة بولاية الخرطوم د. إسامة للحضور إلى الوزارة واستلام منصبه مديراً عاماً كما يبدو أن الأمر حسم وفقاً لسلطات رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك عندما أصدر قرارًا أمس بتفويض وزير الصحة الاتحادي بمنحه سلطات إقالة مديرين عامين ووزراء الصحة بالولايات، كما أعطاه صلاحيات إقالة وتعيين مديري المستشفيات بالولايات في إطار قانون الطوارئ الصحية على أن يستمر التفويض حتى نهاية شهر ديسمبر 2019.
انتقام
(القانون الثوري طغى على قانون البلاد المعمول به)، عبارة أطلقها خبير صحة خلال حديثه لـ(الصيحة) بأن مجلس الوزراء عمل على تطويع القانون عندما تخطى قانون الحكم المحلي بالتغول على صلاحية الوالي التي من ضمنها إقالة وزراء الصحة بالولايات، وقال إنه وبغض النظر عن مساوئ ومحاسن بابكر محمد علي، فلابد أن تسيير الأمور حسب القانون، مستنكراً العمل بقانون الطوارئ دون استشارة مجلس السيادة، ووصف ما يحدث بالعملية الانتقامية التي قال إنها من الممكن أن تدمر الخدمات الصحية، مضيفاً أن الأزمات التي تمر بها وزارة الصحة بعد ظهورعدد من الأوبئة لا يمكن الخروج منها بتغييرات غير قانونية، مشددًا على أن كل ولاية مسؤولة إن إدارة الصحة في ولايتها واستهجن الأمر سيما أن مدير عام الوزارة ليست له صلاحيات كبيرة، قبل أن يدعو إلى تفعيل مبدأ المحاسبة إذا كانت هناك أخطاء أو لا تحل المشاكل بالإقالات.
عدم كفاءة
يبدو أن الأمر يسير في وزارة الصحة بغير (هدى) في ظل ربكة أحدثتها القرارات الفوقية من قبل الوزير الاتحادي، وهذا أمر دعا عدداً من الخبراء لوصم كل الطاقم الذي تم تعيينه من قبل مجلس الوزراء بأنه طاقم من غير كفاءات، سيما أن وزير الصحة وُصِم من كثير من الخبراء بأنه على غير دراية بقانون الحكم المحلي وأنه يخلط فى كثير من الأمور القضايا الخاصة بالصحة خاصة وأن كل السلطات واللوائح تعطي والي ولاية الخرطوم الحق في إقالة مدير عام الصحة.
ويشير خبير صحي رفض الإفصاح عن هويته إلى أنه في حال كانت هناك ملاحظات على مدير عام الوزارة فعلى وزير الصحة أن يصدر توصيات وبموجبها يعطي الوالي حقه في الإقالة.
حكمة وطنية
بينما ينحو الخبير الصحي د. سيد قنات منحى مختلفاً عن رأي عدد من خبراء الصحة عندما رفض اتهام رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة الاتحادي بإصدار قرارات تؤخذ كرد فعل من غير حكمة وطنية وعقلانية، وأكد أنه لم يصدر قرار إعفاء أي مسؤول ما لم يستوف ذلك الشروط القانونية، مستدلاً على ذلك باستناد الوزير في قراره الأخير إلى قانون الطوارئ الذي أعطى الوزير سلطة في هذه الإجراءات، بجانب ما اعتبره (قنات) مساوئ أدت إلى تدمير الخدمات الصحية من قبل الوزير في النظام السابق، خاصة في ولاية الخرطوم، مشيراً إلى أن قرار إعادة أيلولة المستشفيات إلى وزارة الصحة الاتحادية رغم أنه توصية صدرت من كل اجتماعات المجلس الاستشاري، فضلاً عن توصية صدرت عن مؤتمر الحوار الوطني، وجاءت ضمن مخرجاته ومن بعدها أوصى بها عضو مجلس السيادة الفريق أول صلاح عبد الخالق، وطالب بأن تعود المستشفيات إلى وزارة الصحة الاتحادية، إلا أن التوصية لم تنفذ. محملاً السلطات في النظام السابق مسؤولية ذلك، واعتبر أمر إعفاء د. بابكر أمراً غير مستغرب، واعتبره حقاً دستورياً وشرعياً، داعياً إلى ضرورة محاسبته لتسببه في تدمير الصحة وفقاً لسلطته السابقة كمساعد أول للوزير السابق مامون حميدة، منتقداً من اسماهم بالمتباكين على إقالة بابكر محمد علي، قبل أن يدعوهم لإعادة النظر إلى واقع الخدمات الصحية حين آل أمر صحة الخرطوم لمأمون حميدة، ووصف سياسة د. بابكر في الوزارة بالمتخبطة، مشيرًا إلى أن إصلاح الخدمة المدنية يتطلب قرارات ثورية بإعفاء كل رموز النظام السابق باعتبارهم جزءاً من الدمار.