1
نتيجة لتلك الصراعات المتعددة التي ابتلي بها الحزب وفصلناها في الثلاث حلقات الماضية، أُصيب الحزب الحاكم بالكساح فافتقد الفعالية التي تتطلبها مهام حزب حاكم. السبب الرئيس في إصابة الحزب بذلك الداء هو إضافة للصراعات التي جعلت أفضل الكفاءات تبعد عنه وتقف تتفرج على ما يجري من صراعات، إضافة لذلك انشغال الحزب بقضايا السلطة والصراع حولها أكثر من اهتمامه ببناء كوادر مؤهلة لقيادة مستقبل الحزب. أضف إلى ذلك أن أغلب الكوادر التي تولت قيادة العمل في الحزب وفدت إلى دفة القيادة بلا خبرات كافية، إذ استأثرت الدولة بأميز الكوادر المؤهلة التي تربت في أحضان الحركة الإسلامية التي أهلت كوادرها في الدولة إبان مشاركتها في السلطة في عهد نميري بعد المصالحة الوطنية، كما أهلتها في خارج السودان خلال السبعينيات والثمانينيات، ذهاب أغلب الكوادر المؤهلة للدولة ترك الحزب فارغا.. رغم محاولات د. نافع في بناء الحزب كهيكل متماسك ومنظومة فعالة لممارسة الديمقراطية عبر بناء وحدات الحزب من القواعد في الأحياء والقرى، إلا أن تلك الممارسة لم تصعد كوادر مؤهلة إلى دفة القيادة. ولذا أصبح التغيير على المستوى الأعلى محدوداً ولم تفلح محاولات الإصلاح التي حدثت في الحزب في تلافي خلل بقاء القيادة لوقت طويل في مواقعها.
2
السبب الآخر لإصابة الحزب بالكساح هو ارتباطه بالسلطة أو اعتماده عليها، الأمر الذي حول الحزب إلى مصلحة حكومية، فبدلاً من أن يعمل الحزب كمنتج وموجه لسياسات الحكومة أصبح أداة للترويح والدفاع عن سياسات الحكومة أياً كانت مقبوليتها وصحتها وتعبيرها عن قضايا الشعب. اكتفى الحزب باختيار كابينة القيادة في مجلس الوزراء وتركهم يفعلون ما يشاءون في وزاراتهم حتى بدون الرجوع إليه. فافتقد الحزب أي آلية لمحاسبة كوادره الذين هم في السلطة، فانتهى لحزب محكوم بواسطة الدولة لا حزب حاكم في الدولة. وهذا خلاف قديم داخل الحزب بل أحد الأسباب الرئيسية التي كانت وراء المفاصلة في نهاية تسعينيات القرن الماضي )كيف يحكم الحزب بأمانته أم بحكومته(؟.. كل تلك الأسباب قادت إلى حالة العجز التي شهدها الحزب في أواخر أيامه وظهر ذلك جلياً )عجز الحزب( في الأزمة الأخيرة، الشيء الذي قاد الدولة لأن تقنع منه ظاهراً وباطناً وتعلن فك الارتباط به، ليواجه مصيره منفرداً، وهو الآن يواجه ساعة الحقيقة التي طالما ذهل عنها منذ تأسيسه.