أرجعت الهيئة القيادية لقوي الحرية والتغيير (الميثاق الوطني)، وان اشكل عليك التعرف على هذه الجماعة، نزيدك تعريفا بأنها الجماعة التي أطلق عليها مجموعة (اعتصام الموز) ولك ان تقول (اعتصام القصر) وصارت تعرف بهذين الاسمين اكثر من اسمها الرسمي، أرجعت هذه المجموعة كل أسباب التدهور التي تكابدها البلاد في كل شؤونها بلا استثناء، لعدم تعيين رئيس وزراء، وكأنما رئيس الوزراء الذي تنتظره هذه المجموعة هو مهديها المنتظر الذي سيملأ الارض عدلا بعد أن ملئت جورا، وسيغمرها بالسخاء والرخاء بعد المسغبة والشظف،
ويذكرني هذا التعلق المرضي لهذه المجموعة بمنصب رئيس الوزراء، بالارجوزة الساخرة التي نظمها الشاعر المصري الساخر الراحل أحمد فؤاد نجم، في حالة مماثلة لحالة جماعة اعتصام الموز، فحين رأى نجم الاهتمام المبالغ فيه من الحكومة المصرية على عهد السادات بزيارة الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان لمصر، إذ اعتبرت الحكومة تلك الزيارة بأنها ستغير شكل مصر اقتصاديا، وسيعم الخير على المصريين، وسيختفى الفقر والفقراء، وتنشط الحركة السياحية والتبادل الطلابى، وستحقق أحلام المصريين الذين أرادوا الخروج من بين القضبان الاقتصادية التى تحولت إلى مشانق تضغط على الأعناق، سخر الشاعر احمد فؤاد نجم من تلك الهلولة والزيطة والزمبريطة التي أحيطت بها الزيارة، فقال(فاليرى جيسكار ديستان والست بتاعه كمان، حيجيب الديب من ديلو، ويشبع كل جعان، يا سلاملم يا جدعان ع الناس الجنتلمان، دا احنا حنتمنجه واصل، وحتبقى العيشه جنان)،
وهذا هو حال الهيئة القيادية لقوي الحرية والتغيير (الميثاق الوطني)، التي تعزو كل أسباب التدهور الذي طال كل مجالات الحياة لعدم وجود رئيس وزراء، وحال تعيينه وتسنمه لمنصبه (سيجيب الديب من ديلو) وستنفرج على يديه كل الأزمات وتحل كل الضوائق وينعم الناس بالرخاء والهناء ويعيشوا في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات، وسنعبر وننتصر..
طبعا جماعة القصر الذين مهدوا بالتواطؤ مع العسكر لانقلاب 25 اكتوبر، واصبحوا من بعد اكبر داعميه ومسانديه، يعتقدون واهمين انه بمجرد تعيين رئيس الوزراء، سيفرج العالم عن كل الدعومات والمنح والقروض والهبات التي جمدها بسبب الانقلاب، وستلغى جميع الديون الخارجية، وستنزاح العزلة التي ضربت على الانقلابيين المسيطرين على السلطة بالكامل، وستتدفق المعونات والهبات والمنح والقروض الكفيلة بحلحلة كل هذه الضوائق والأزمات، وهذا والله وهم كبير، لأن ما يأملون في عودته من علاقات وصلات ومنافع واستثمارات لا شأن لمنصب رئيس الوزراء به وجودا وعدما،
وانما الحقيقة التي يتغافل عنها جماعة اعتصام الموز، هي ان حجب المعونات وتجميدها كان سببه الانقلاب الذي قطع الطريق على المسار المدني الديمقراطي الذي يدعمه ويسانده كل العالم، ليس ذلك فحسب بل كرس الانقلاب كل السلطة في يد شخصين فقط هما حميدتي والبرهان (والترتيب مقصود) لأن غالب السلطة صارت بيد الأول، ولهذا اذا كانت الهيئة القيادية لقوى الميثاق الوطني راغبة وجادة فعلا لانهاء حالة اللا دولة التي ترزح تحتها البلاد، ان تنضم الى ركب الثوار وكل المنادين بالحكم المدني الديمقراطي لانهاء الحالة الانقلابية، اما بغير ذلك فانهم انما يسعون ليكونوا الحاضنة السياسية للانقلاب..