كتب مرة زميلنا وحبيبنا المرحوم الصحفي هاشم عثمان طيب الله ثراه ما مفاده أن شخصا قال لصاحبه: يا أخي زولك الجبتو لي ده اتجاه واحد ما (تفتيحة) وكلامو كتير ومتفلسف وعامل لي بتاع مبادئ ودغري.. الزول ده ما بنفع معاي في شغلنا ده نحن ناس المنقة والأنناس أنا داير لي زول أقول ليهو عندك كم أضان يقول لي (تلاتة) أضنين وأربعة عيون يعني زول (ملولو) شفت كيف؟
تذكرت مواصفات هذا الزول الملولو التي حكى عنها المرحوم هاشم بعد سماعي لآخر لولوة ودغمسة مارسها المجلس العسكري عبر آخر مؤتمر صحفي عقدته لجنته السياسية برئاسة شمس الدين كباشي ونيابة ياسر العطا اللذين تبادلا الرد على أسئلة الصحافيين، وكان موضوع المؤتمر الأساس هو طرح رؤية المجلس حول المبادرة الإثيوبية، وكان ملخص ما أفاد به الجنرالان هو إعلان تحفظ مجلسهم على هذه المبادرة والمطالبة بدمجها مع أخرى أسمياها مبادرة الاتحاد الأفريقي، وكان أن فوجئ بهذه المبادرة الأفريقية ليس فقط الصحافيون والمراسلون الموجودون داخل قاعة المؤتمر الصحفي بل كل الصحافيين وطنيين وأجانب المتابعين للأزمة السودانية وكل المراقبين للشأن السوداني، إذ لم يسمع أحد قط بهذه المبادرة المزعومة ولا حتى قوى إعلان الحرية والتغيير الطرف المعني بأي مبادرة تطرح، كما لجأ الجنرالان لاستخدام أساليب اللولوة والمراوغة عند الإجابة على الأسئلة التي وجهت لهما حول هذه المبادرة المدعاة ولم يكشفا عن محتواها ولو بحرف واحد، وهذا ما يجعلنا نصفها بأنها (مبادرة غمتي) تسلموها في مظروف مكتوب عليه خاص جدا وسري جدا ومختوم بالشمع الأحمر، هذا إذا صح أن كانت هناك مبادرة باسم الاتحاد الأفريقي كما ادعيا، وعني شخصيا ومنذ لحظة سماعي بهذه المبادرة المرتدية طاقية الإخفاء وإلى لحظة كتابة هذا العمود، طفقت في إجراء بحث مُضنٍ عنها ولم يبق لي في مضمار بحثي سوى أن أطوف على المزارع لأفتح خشوم البقر كما يقول المثل (المودر بفتح خشم البقرة)، وللأسف لم أعثر ولو على خفي هذه المبادرة، وكانت محاولات بحثي عنها أشبه بمحاولات رجل أعمى يبحث عن قطة سوداء في حجرة مظلمة في ليلة حالكة السواد مع أن هذه القطة لا وجود لها ابتداءً.
لقد بدا لي المجلس العسكري في أكثر من موقف وحكاية ورواية ومن أشهرها حكايته المجوبكة والمضطربة والمشرتمة عن فض الاعتصام، بدا لي مثل (ود المويه)..هل تعرفون ود المويه، والمقصود بالطبع يا حبيبنا شمس الدين كباشي ليس هو الفكي علي الميراوي القائد الفذ الذي صارع الاستعمار وتصدى له بجبال النوبة، إلى جانب رفيقه الآخر في النضال والكفاح السلطان عجبنا.. المقصود ليس هو الفكي علي الميراوي الذي يلقب بـ(ود المويه)، نسبة إلى إحدى الروايات التي تقول إن سيلا جارفا جاء من البعيد وألقى بالطفل حينها، الذي صار فيما بعد المناضل والمجاهد الفكي علي الميراوي بمنطقة ميري بجبال النوبة، فلقب بود الموية لأن الموية هي التي أتت به، وإنما المقصود ذلك الكائن الصغير الذي يعيش في المياه الراكدة ويتجول داخلها برشاقة وخفة متناهية، ويغير اتجاه حركته بسرعة قياسية، بدرجة لا يمكن لكائن من كان أن يحدد وجهته أو يتمكن من القبض عليه مهما فعل ومهما تربص به، ومن يشتهر بين بني البشر بالبراعة في ممارسة أساليب الزوغان والروغان وتغيير الاتجاهات والمواقف، ويمتلك أكثر من لسان وخطاب وموقف حول قضية واحدة، يشبه الناس حاله هذا بود المويه، أي لا يمكن مسكه من لسانه، فلو سئل مثلا عن رأيه في أمر ما، تأتيك إجابته ملتبسة ومدغمسة، فيدخلك في حيرة لا تدري معها ما هو رأيه الفعلي والحقيقي، وهل هو مع أو ضد، بل هو مع هذين المتناقضين معاً، مع وضد في آن واحد، أما العملية نفسها فقد أطلق عليها الناس مسمى (اللولوة) وعلى من يأتي بفعل اللولوة متلولو.. وبهذا المعنى وبشهادة الأراشيف، فإن أكثر من يمارس فعل اللولوة ويشارك ود المويه في زوغانه هو المجلس العسكري مما يؤهله بجدارة أن يطلق عليه المجلس المتلولو العسكري ..