لم أختر عنوان هذا المقال إنما اختاره كاتبه المهندس الزراعي عبد الباسط أبونخيلة، وهو من ابناء المتمة، ومن إحدى عائلاتها العريقة، فقد سكب مداد قلبه حسرة وألماً وتفاعلاً مع أوجاع وطنه الصغير )المتمة(، التي لطالما احتلت موقعاً متميزاً في تاريخ السودان، عبرت به عن كرامة وقيم هذه البلاد وشعبها الأبي.
كتب أبونخيلة عن المتمة، متحسراً على ما آلت إليه بعد كل ذلك العز والشرف الباذخ جراء ما اعتبره إهمالاً طالها دون غيرها من حواضر السودان وأريافه فقال ما يلي :
المتمة الإرث والتاريخ، المتمة الحضارة والاصالة، المتمة الكرم والجود، المتمة مصنع الرجال ومنارة السودان، المتمة التي قدمت وما زالت تقدم الرجال والمال لكل بقاع السودان.. المتمة شمعة أضاءت كل السودان ولكن وهجها اضمحل ولم ينتبه إليها أحد، ولعل ذلك ما حفزني لكتابة هذا المقال انفعالاً بما شاهدته بعد غيبة طويلة )30 عاماً(، فقد شهدت محليات شندي والدامر وعطبرة وأبوحمد تطوراً كبيراً في مجالات شتى خاصة في المشاريع زراعية حكومية وقطاع خاص، فقد أنشئت بيارات وترع كبيرة تنقل المياه للأراضي الخلوية بما يدعو إلى الفخر في المحليات التي قامت عليها تلك المشاريع، بينما يدعو إلى الشعور بالظلم في محلية المتمة التي لم تنل ولو جزءاً يسيرًا من مشاريع التنمية، علماً بأن معظم الأراضي الزراعية الخلوية التي قامت عليها المشاريع في المحليات آنفة الذكر تعتبر من الدرجة السادسة class 6 بينما تعتبر الأراضي الخلوية بمحلية المتمة class)1 ( إضافة إلى أن مزارع المتمة الصامد الصابر المستمسك بأرضه هو المعلم لفنون وأساليب الزراعة، وهو الأكثر همة ونشاطاً في الحقول، وهو الأكثر حاجة للأراضي الخلوية نسبة لضيق وتفتيت الأراضي النيلية بالإرث وأصبح عائد الأرض لا يفي بأبسط مستلزمات الحياة، لذا فإن مواطني المتمة أحوج الناس لإعمار أراضي النقع الزراعي والذي يبعد مسافة 15 كم فقط من النيل في مساحة تفوق الـ 400 ألف فدان من أخصب الأراضي في السودان، والتي أنتجت العديد من المحاصيل الحقلية بأقل كمية من مياه الأمطار لكنها ظلت محبوسة وموضع جدل ما بين بعض أصحاب الحيازات وضعف وهوان أصحاب القرار بالدولة، مما جعلها غير مستثمرة، بينما أهالي المنطقة في أمس الحاجة لإعمارها .
في العام 1973 كانت عائلة الملوك بدنقلا تستحوذ على أكثر من 75% من أراضي حوض السليم ويزرعون 15 % منها وضاق الحال بالسكان فأصدر السيد رئيس الجمهورية جعفر نميري قراراً جمهوريا يقضي بأن تكون )الأرض لمن يفلحها( وأمر بحل أراضي الحوض، وكون لجنة لإعادة التوزيع والإعمار وتطوير الحوض، وفي العام 1992 أصدر السيد عمر البشير رئيس الجمهورية القرار رقم 95 بنزع 40% من الأرضي الملك و50% من الأراضي الحكر لمدة 30 عاماً بدون مقابل لصالح مشروع سندس الزراعي، ونحن في المتمة المكلومة نريد الماء فقط ونتساءل هل تعجز الدولة عن فك شفرة مشروع النقع بعد أن عجزت الولاية عجزاً تاماً عن إقامة المشروع؟
..باسم الحزانى البؤساء الفقراء، نناشد المسؤولين في الدولة بأن يوفروا مياه الري للمواطنين بمشروع النقع وحينها سنحقق إنتاجاً يفوق كل المناطق الأخرى، وسنحتل الصدارة في إنتاج التوابل والمحاصيل البستانية والبقوليات والنباتات الطبية والعطرية .
إننا نمتلك كل مقومات الإنتاج ما عدا الماء، فهلا وفرت لنا الدولة الماء أسوة بجيراننا من المحليات بالولاية وإبعاد أولئك الذين يتاجرون في الأراضي، وهم أبعد ما يكونون عن ممارسة الزراعة، وأولئك الذين لهم مطامعهم الخاصة والذين يضعون المتاريس في طريق المشروع.
عبد الباسط أبو نخيلة ــ زراعي متقاعد