الشعب السوداني كله ينتظر الآن القرار التاريخي.. أن يتقدم المجلس العسكري الانتقالي بمحض اختياره وطوعه ويعلن تنازله من الخمسة مقاعد التي خصصت له في المجلس السيادي، ويتنازل عن رئاسة الفترة الانتقالية خلال الـ21 شهرا الأولى التي سبق الاتفاق عليها في وثيقة “الإعلان السياسي” ووُقِّعت من جانب قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري.
بالأرقام التي لا تقبل الجدال حجم الخسائر البشرية المروِّع يكشف أن المجلس العسكري فشل في أهم مسؤولياته، لا أقصد الأمن وحده بل حتى الأمان.. والأمان هنا يعني صيانة العدالة وبل المساءلة والمحاسبة لكل من يثبت تورطه في أعمال القتل أو العنف بأي درجة..
الواقع الآن، أن (مجزرة) فض الاعتصام تحولت إلى(مذبحة) للعدالة بالتقرير الذي صدر من النيابة العامة وآثار التظاهرات العفوية في كل أرجاء السودان.. التقرير الذي قذف حجرا ثقيلا ليهشم ما تبقى من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة..
بهذا الوضع؛ لم يعد بالإمكان تصوُّر استمرار الشراكة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لا خلال الـ21 شهرا الأولى، ولا حتى في كامل الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات.. ستكون البلاد مهددة بمزيد من الكوارث التي ينفِّذها (حزب المندسِّين) الفضائي.. تلك المخلوقات التي تهبط إلى الأرض من كوكب مجهول.
في تقديري الأمر في كنف النظرة الوطنية التي لا توازن بين المصالح الشخصية والسياسية الضيقة.. على السادة رئيس وأعضاء المجلس العسكري أن ينظروا بعين الحكمة إلى مصلحة وطنهم وشعبهم.. والتاريخ يخلد القرارات العظيمة ويدهس بعجلات النسيان التمسك بالسلطة من أجل السلطة أو المصلحة الضيقة..
نعم شعب السودان في حاجة ماسة لمجهود قواته النظامية.. ويشهد التاريخ أن ثقة الشعب في مؤسسته العسكرية ظلت محفورة في الوجدان وغنَّى لها الشعراء والفنانون.. والآن حان وقت القرارات الصعبة من أجل هذه الثقة والعلاقة المقدسة بين الشعب وجيشه.. فمثلما الحروب تتطلب الإقدام والشجاعة والثقة بالنفس.. فالقرارات التاريخية العظيمة تتطلب الشجاعة والإقدام ونكران الذات.. وقبلها، التوكل على الله..
الآن، الآن،الآن؛ ومن أجل الوطن والشعب النبيل ننتظر القرار التاريخي العظيم من المجلس العسكري، صحيح أن هناك اتفاقًا اُبرِم يمنحه نصف مقاعد المجلس السيادي، لكن الواقع الآن كشف أن هذه المعادلة غير صالحة لبناء مستقبل رشيد لبلدنا السودان.. فما الداعي للاستمرار فيها..
ولمزيد من الإصلاح السياسي العام، أقترح استبدال الشراكة في المجلس السيادي باستنباط معادلة (دائمة!) لعلاقة الجيش والقوات النظامية بالسلطة.. تأسيس (المجلس الأعلى للدفاع والأمن) ليتولى الإشراف على كل ما يختص بالقوات النظامية وأن يُمنَح حق “الفيتو” على أية قرارات تتصل بالقوات النظامية من أية سلطة تنفيذية أو تشريعية.. مجلسٌ له سلطات سيادية في كل ما يتعلق بالقوات النظامية.
هذا هو الطريق المتاح لبناء دولة السودان الحديثة بأقصر وأضمن الطرق.. وحتى تتجنَّب بلادنا سيناريوهات المجهول..