صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الفساد والاقتصاد

9

قولوا حسنا

محجوب عروة

الفساد والاقتصاد

هناك علاقة سببية قوية بين ضعف الاقتصاد وانتشار الفساد المالي.. والفساد المالي نوعان أحدهما الفساد الشخصي والآخر الفساد المؤسسي وهو الأخطر. سأل أحد الصحفيين الرئيس التركي كيف ازدهر اقتصادكم خلال فترة وجيزة من حكمكم؟ فرد عليه أردوغان لقد حاربت الفساد المؤسسي بضراوة فانطلق الاقتصاد تلقائياً..
أما في السودان فالذي حدث وأدى إلى ما يشبه الانهيار الاقتصادي بتردي معيشة المواطن والانخفاض الكبير في قيمة الجنيه وازدياد نسبة الفقر والبطالة والتضخم الجامح خلال الثلاثين عاماً من حكم الإنقاذ هو انتشار الفساد المؤسسي بل الفساد الشخصي عبر الرشوة بحيث يعجز طالب الخدمة من الحصول عليها إلا إذا (دفع!!) حيث أن ضعف الدخول وعدم القدرة على مواجهة التضخم ساهم في ذلك.
لقد وقفت على أمثلة كثيرة من الفساد المؤسسي وأكاد أجزم أنه ما صدرت فاتورة لسداد إحدى المشتريات لأحد مؤسسات الدولة سواء لسداد قيمة سلعة أو خدمة داخل الوطن أو لشركات خارجية إلا كانت عمولاتها ضعف السعر الحقيقي مما كلف ميزانية الدولة كثيراً وكرس العجز في الموازنة. تذهب معظم الأموال المنهوبة لجيوب الفاسدين من المسؤولين سواء في الجهاز التنفيذي مركزياً أو ولائياً أو لأحد المسؤولين في القطاع السياسي.. وقد حدثني من أثق فيه عن بعضها وهي نقطة في بحر..
لم أندهش ما قاله السيد فقيري أمس وكان يعمل في إدارة الأمن الاقتصادي بالجهاز عن فساد في بعض المؤسسات ومنها سودانير وذكر أنه كتب إلى رؤسائه في جهاز الأمن ولكن لم يجد استجابة وتأكد لي ما ظللت أؤمن به من أن النظام الديمقراطي رغم ما يظهر به من عيوب هو أفضل من النظام الديكتاتوري ملايين المرات.. الفساد لا ينتهي كلية فهو مثل الفقر والبطالة ولكنه في النظام الديمقراطي يحاصر إلى أدنى حد بما يكرسه من قدر أكبر في الشفافية ومراقبة المعارضة والصحافة وحتى المواطن العادي، ولكن الفساد ينتشر في النظام الديكتاتوري بصورة مخيفة وضارة بالاقتصاد حيث يحميه النظام وبطانته والمستفيدون منه بما يبرره من الخوف من النشر وفي إعادة انتخاب الرئيس!!..
تصوروا كم مليارات الدولارات خاصة من عائدات البترول سرقت ونهبت جهاراً نهاراً سواء عبر المشتريات غير الضرورية أو عبر السمسرة والعمولات في عمليات البيع والشراء والأغرب بدعوى حماية النظام ودعم التنظيم الإسلامي؟ وكم من مليارات المليارات لثلاثين عاماً صرفت في المواكب والحشود للمسؤولين خاصة حشود الرئاسة حيث تصدر الفواتير أضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية، ولو صرفت على التعليم النوعي والصحة والمياه الصالحة والبنيات الأساسية والمساعدة لكان اقتصادنا اليوم أقوى ما يكون ولكن.. وآه من لكن..
ولو استخدمت عائدات البترول من العملات الحرة في التنمية والصرف على القطاعات الاقتصادية الحية أو ترك جزء منها نبني بها احتياطيات في البنك المركزي لما انهارت قيمة الجنيه لهذا المستوى البائس..
لو تريد الحكومة القادمة أن تحسن اقتصادنا ومعيشة المواطن وتحارب ضعف الجنيه و تواجه الفقر والتضخم والبطالة فأول ما يجب أن تفعله هو محاربة الفساد واعتباره المهدد الأول لأمننا القومي كما يجب أن تسترد أي دولار أو جنيه من أولئك الذين فسدوا وأكلوا أموال الشعب..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد