للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
الفاخر للمساخر (2)
* أختلف مع الزميل العزيز عادل الباز في وصفه لروائح الفساد بأنها نفَّاذة (مثل عطرٍ باريسيٍ)، لأن العطور الفرنسية جميلة الرائحة، تشرح النفوس، وتبهج الخواطر، أما روائح الفساد فتشبه تلك التي تنبعث من مخلفات الصرف الصحي وأقبية المجاري والمراحيض العامة، لذلك شبه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه الجليس الصالح بحامل المِسك، (إما أن يخذيك أو تجد منه ريحاً طيبةً)، ووصف جليس السوء بنافخ الكير، (إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحاً منتنةً).
* ذاك هو الوصف الصحيح لروائح الفساد، لأنها تزكم الأنوف، وتؤذي الصدور، وتنشر الأمراض الخبيثة، وكذلك الفساد، يحرق ثياب الاقتصاد، ويقضي على خيرات البلاد، ويورث الناس الفقر والفاقة ويذيقهم ذل الحاجة.
* التعدي على المال العام لا يتم بشق الجيوب في زحام الشوارع وداخل وسائل النقل العام، بل بتجاوز القوانين التي تنظم التعامل مع المشتريات والعقود الحكومية، وبتخصيصها للمحاسيب بلا منافسة ولا مناقصة، وبمحاولة إلباس باطلها ثوب المصلحة العامة، لتبرير تجاوزها للقوانين التي تحكم إنفاق وإدارة المال العام.
* من دافعوا عن العقد (أو الآلية أو الاتفاق.. سمِّه ما شئت) الذي أبرمته وزارة المالية مع شركة (الفاخر للأعمال المتقدمة) حاولوا تبريره بأن بنك السودان جرَّب احتكار تجارة الذهب وفشل، لذلك منحت الحكومة القطاع الخاص فرصة تصدير المعدن النفيس، وزعموا أن تلك الخطوة ستؤدي إلى إيقاف التهريب، وستقود إلى تراجع وتثبيت سعر صرف العملات الأجنبية، وزادوا على ذلك ادعاء كذوباً، مفاده أن سعر الدولار هبط ثلاثة جنيهات فور إبرام الاتفاق.
* كذلك زعموا أنه مُنح للشركة بشروط محددة، تلزمها باستيراد الدقيق والوقود والأدوية من عوائد التصدير.
* دفاعهم عنه أسوأ من دفاع منتخب السودان في تصفيات بطولة أمم إفريقيا الأخيرة، التي احتل فيها صقور الجديان المركز (الطيش)، بعد أن استقبلت شباكهم ثلاثة عشر هدفاً، ولم يسجلوا سوى خمسة أهداف فقط.
* أثبتوا بدءاً أن وزارة المالية ميَّزت شركة خاصة، لا تمتلك أي سابق خبرة في مجال التعامل مع الذهب، ومكنتها من بيعه بالأطنان، وبموجب اتفاق مريب، تم إبرامه (بالأمر المباشر)، بلا مناقصة ولا تأهيل، ودونما سابق إعلان.
* كذلك أكد دفاعهم المهترئ عن الاتفاق المبهم بأن الحكومة أوكلت استيراد السلع الاستراتيجية لشركة لا تمتلك أي سابق خبرة في ذلك المجال، بصفقة سرية ومريبة، لا يعرف أحد تفاصيلها، ولا الأسعار التي سيحاسب بها البنك المركزي الشركة على عوائد الصادر، ولا أسعار السلع المستوردة من ثمن تصدير الذهب بواسطة الشركة المحظوظة.
* إن لم يكن ذلك كله فساداً، فكيف هو الفساد إذن؟
* من ثاروا على الإنقاذ، وقبروها بإرادتهم القوية، ودمائهم الزكية، وهتفوا (ضد الحرامية) فعلوا ذلك دفاعاً عن مكتسبات وطنهم وثرواته المنهوبة، وسعياً منهم إلى محاربة الفساد الذي استشرى حتى أفقر الدولة، ورفع معدلات البطالة فوصلت أكثر من (40%)، ونشر الفقر حتى فاق معدله (60%).
* اتفاق ينطبق عليه قول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه (الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس)، لم نعلم تفاصيله ولم نسمع عنه إلا بعد إبرامه، ويقال إن ذلك تم داخل دار أحد الأحزاب الكبيرة، ولو كان مبرأً من العيوب والشبهات لما تم تجهيزه سراً، ولما أخفوه عن عيون الناس حتى لحظة إشهاره بخطاب ملتبس العبارة، مبهم المعاني، ركيك الصياغة.
* حققوا في ملابسات هذه الصفقة المضروبة، وأحيلوا كل المتورطين فيها إلى النيابة، كي لا نعيد إنتاج فساد الإنقاذ في عهد الثورة.. انتهى البيان.