ما تزال قضية إمدادات الدقيق تمثل معضلة كبيرة للجهات المسؤولة في الحكومة ، سواء كانت إدارية أو رقابية أمنية .
بالأمس حدثني صاحب مخبز بقرية “أم مغد” التابعة لمجلس “المسيد” بمحلية “الكاملين”، وتبعد نحو (ساعة) واحدة عن الخرطوم على الطريق القومي الخرطوم – مدني ، حدثني أن وكيل الدقيق منحهم أمس (الأحد) بحضور الجهة الرقابية (3) جوالات دقيق فقط من النوع المدعوم ، وذلك بسعر (680) جنيهاً ، وألزموا المخابز ببيع الرغيفة بجنيه ، بعد أن كانوا وما يزالون يبيعونها بجنيهين ، كما هو الحال في معظم الولايات .
(3) جوالات تنتج حوالي (3) آلاف رغيفة ، بينما استهلاك القرية حوالي(20) ألف رغيفة .. أكثر وليس أقل ، وهذا يعني حاجة المخبز لـ(20) جوالاً بالسعر المدعوم ، لا (3) جوالات فقط ، فكيف يبيع الرغيفة بجنيه وهو يحتاج لما يعادل(17) جوالاً آخر يحصل عليه من حصص الدقيق التجاري الذي تطرحه المطاحن بسعر (1050) جنيهاً في ولاية الجزيرة !
كيف يتأتى ذلك ؟ لا أحد من الجهات المسؤولة يملك إجابة ، فلو أن المخابز أنتجت من دقيق الحكومة ثم أغلقت أبوابها ، فهذا يعني أزمة أشد وقعاً ، حيث يكون العجز (17) ألف رغيفة ، ما يقود لاحتجاجات أوسع ، وهذا ما يحدث في الخرطوم حيث تعودت المخابز أن تغلق أبوابها فور نفاد كمية الدقيق المدعوم المحدودة ، ما خلق الصفوف في مخابز أخرى .
هذا الواقع البئيس يعني أن هناك نقصاً في الدقيق ناتج عن نقص في كميات القمح الواردة من بورتسودان ، أو أن الدقيق المدعوم يتسرب – ليس من المخابز في الغالب – ربما من حلقات أعلى أو أوسط ، إلى السوق السوداء .. لمصانع المكرونة والشعيرية ، فيباع بسعر (2000) جنيه للجوال .
ذات المشهد يتكرر بالنسبة للجازولين ، فسعره في محطة الوقود يختلف بفارق كبير عن سعره في المصانع !!
استمرار وجود نوعين من الدقيق ، بسعرين مختلفين ، في مطحن واحد ، هو أس وأساس الأزمة ، فلابد من حل هذا المشكل وفك الاشتباك الذي يمثل المدخل الكبير للتلاعب بقوت الشعب في أخطر عملية فساد تشهدها البلاد على مستويات مختلفة ، تمتد من الجهات الحكومية إلى القطاع الخاص .
استمرار صفوف المواطنين أمام المخابز ، هو بلا شك مشهد شائه يدل على استمرار العجز الحكومي عن تقديم البدائل وإيجاد الحلول .