من بين التعهدات التي بذلها المراجع العام الجديد المكلف، أنه سيعمد الى ايقاف الحوافز والمكافآت البذخية التي تستنزف الكثير من موارد الدولة متعهدا بمعالجتها بالطرق القانونية، وقد صدق المراجع الجديد، فقد ظل بند الحوافز والمكافآت التي تصرف بلا ضابط ولا رابط أحد آفات المال العام، فمن أجل حلب الخزينة العامة على افلاسها ابتدع دهاقنة الحوافز أنواعا شتى منها، بعضها من صميم المهام الوظيفية وبعضها بمسميات غريبة وعجيبة، من هذه الأنواع حافز ما انزل الله به من سلطان يسمى (حافز الخزنة)، اذ كان هذا الحافز العجيب يصرف خلال العهد البائد، ونرجو ان لا يكون مستمرا حتى الآن، فما هي يا ترى هذه الخزنة التي يستخرج لها هذا الحافز، هل هي الخزنة الواحدة دي التي تودع فيها الأموال أم هي خزنة أخرى، واذا كانت خزنة أخرى فما عساها تكون ولماذا يصرف حافز باسمها ولمن يصرف، أم تراه هو ذات ذلك الحافز العجيب الغريب الذي استعجبت منه يوما ما حين علمت به، أم أن ذاك لا يمت لحافز الخزنة بصلة وانما صاحب شخصية اعتبارية تحفيزية مستقلة، وعلى كل حال اسمحوا لي أن (أحفزكم) بهذه الحكاية التي تبدو وكأنها طرفة مع أنها واقعة تحفيزية حقيقية، والواقعة تقول ان مجموعة من العاملين باحدى المصالح اجادت أداء عمل ما كلفت به، فقررت الادارة العليا تحفيزها وأصدرت كشفا باسمائهم وقرين كل اسم مبلغ التحفيز، وكان غريبا أن يضع المدير مصدر كشف التحفيز اسمه على رأس قائمة المحفزين وقرين اسمه مبلغ يفوق اضعاف بقية المحفزين،ثم بلغت الغرابة ذروتها عندما رفض الصراف تسليم المحفزين حوافزهم الا بعد أن يضمن اسمه وبمبلغ معتبر نظير الجهد الذي سيبذله في صرف هذه الحوافز وكان له ما أراد، فنال ما يمكن تسميته (حافز توزيع الحوافز) مبلغا محترما..فهل هذا المال الذي استلمه هذا الصراف هو حافز الخزنة المعني، أم أنه حافز مختلف، فالشاهد أن بقر الحوافز قد تشابه علينا من كثرتها وتعدد مسمياتها وفنونها..
ان هذه اللفتة من المراجع العام الجديد تلفت الانتباه ليس لموضوع الحوافز والمكافآت فحسب بل وأيضا لرئاسة وعضوية اللجان ومجالس الادارات،وضرورة الالتفات لهذا الموضوع لا تحتمها فقط فرضية أنه من الممكن أن يكون نفاجا يتسلل منه الفساد، بل لأنه فعلا كان كذلك وكان من ثغرات استنزاف المال العام..ولكي نكون منصفين فلا أحد يغالط في أهمية التحفيز ماديا كان أو معنويا حفزا للعاملين وحثا لهم على الاجادة والتجويد في العمل عملا بمبدأ الثواب والعقاب، أن يثاب من يحسن ويجيد ويعاقب من يهمل ويقصر، ولكن من الغلط المفضي إلى الفساد أن يترك أمر الحوافز تصرف هكذا بعشوائية وإنفلات وبلا ضوابط ناظمة ولا قواعد منظمة..