أو إن شئت قل تناقضات الحكومة، والحكومة المعنية ليست الجهازين التنفيذي والسيادي فقط، وانما تشمل ايضا الجهاز السياسي الذي يمثل الحاضنة الداعمة للحكومة، ولكن للأسف بدلا من ان نشهد تناغما وتلاحما وتضافرا بين هذه المكونات الثلاث للعبور بفترة الانتقال الى بر الامان، بل وقبل ذلك للعبور بالبلاد من ازماتها المستفحلة، شهدنا تيارا من هذه المكونات يعمل ضد الحكومة ويسعى لافشال سياستها الاقتصادية المتوافق عليها فى مجلس الشركاء الذي يضم المكونات الثلاث، فقد سبق لمجلس الشركاء ان تداول حول برنامج متفق عليه تعمل على تنفيذه الحكومة التنفيذية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء، وكانت تلك خطوة ضرورية ومهمة لتفادي الظاهرة السلبية التي تمظهرت في التشاكس والتدابر الذي كان قائما ما بين الحكومة السابقة وحاضنتها السياسية الامر الذي اربك اداءها واقعد بها، غير اننا للغرابة والمفارقة ورغم البرنامج المتفق عليه كما حدثونا عنه، شهدنا معارضة قوية من بعض مكونات الحاضنة السياسية لسياسة توحيد سعر الصرف التي طبقتها الحكومة منذ اكثر من اسبوع، فقد سمعنا وقرأنا ورأينا عدد من القيادات السياسية المفترض انها داعمة للحكومة وبرامجها وسياساتها، تهاجم بضراوة قرار توحيد سعر الصرف وتخذل عنه عبر مختلف اجهزة الاعلام المقرؤوة والمسموعة والمرئية، ورصدت شخصيا بعض قيادات حزب البعث الذي له في الحكومة عرق ودم بوجوده فى مجلس السيادة والحكومة التنفيذية ومركزية قوى الحرية والتغيير ومجلس الشركاء وسيكون له بالقطع عود فى المجلس التشريعي ينشطون فى مهاجمة هذه السياسة، والمؤسف اكثر ان ينبري هؤلاء لقيادة حملة مضرية ضد توحيد سعر الصرف، في الوقت الذي تدافعت فيه جماهير الشعب السوداني اضافة الى جموع المغتربين في ملحمة وطنية رائعة لانجاح القرار..كان من الممكن والطبيعي قبول مثل هذه المعارضة من الفلول او حتى من الحزب الشيوعي الذي فرز كومه وغيره ممن هم خارج قوى الحرية والتغيير، اما ان يحدث ذلك من هذا الحزب المشارك بقوة فى الحكومة بمختلف مستوياتها فذلك هو الغريب والعجيب..
فمن الغرائب والعجائب ان ينقسم بعض من تشارك كياناتهم فى الحكومة الى فريقين، فريق ينشط فى تنفيذ سياسات الحكومة وبرامجها وهؤلاء هم من يتولون مناصب سيادية وتنفيذية فيها، وفريق آخر يعارضها ويخذل عنها، ولا تفسير لمثل هذا الموقف المتناقض سوى بواحد من أمرين، اما انه توزيع ادوار متفق عليه على طريقة (كراع فى المركب وكراع فى الطوف)، حتى اذا ما غرقت المركب يستطيع من هم فى الطوف انقاذ الكيان، اما اذا عبرت المركب سيعبروا معها جميعهم، او ان مثل هذا الكيان يعاني داء الشيزوفرينيا السياسية كما في الرواية العالمية للأديب الاسكتلندي روبرت لويس، ويتعامل بشخصيتين إعتباريتين في داخله، جزء منه يؤيد القرار ويباركه بل ويسعى لتنفيذه، بينما يقف ضده الجزء الاخر ويناهضه ويسعى لافشاله، بعضهم يسبح بحمد القرار بالنهار وبعضهم يهجم عليه بالليل ليذبحه على غرار المثل السوداني (بالنهار يسبح وبالليل يضبح)، وسبق للامام الصادق المهدي رحمه الله ان اطلق وصفا دقيقا ومعبرا فى مثل هذا التضاد والتناقض، اذ قال فيمن يتخذون مثل هذا الموقف انهم يجرون مع الصيد ويطاردون مع الكلاب، وقد صدق الامام الصادق، فأن يتناقض ويتضاد موقفين يصدران من كيان واحد لهو أمر جد محير ومربك ويحتاج لتوضيح، ولكن قبل التوضيح تبقى الحاجة ماسة إلى تصحيح عاجل لهذا الوضع المقلوب.