ربما واحدة من مشاكلنا التاريخية التي تسببت لبلادنا بتكرار الفشل في الممارسة السياسية أننا لم نستفد من التجارب التي مررنا بها طوال تاريخنا، ونظل نعيد إنتاج الأخطاء ولا نستفيد إطلاقاً منها، ولعل الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها بلادنا في الفترة الماضية، وهي احتجاجات قوية ما في ذلك شك، لازال صداها يدوي حتى الآن، هي واحدة من المنعطفات الخطيرة جداً التي تمر بها بلادنا ، صحيح أنها بدأت مطلبية لمواطنين يعانون من غلاء الأسعار وشظف العيش وفوضى الأسواق والإحساس بالظلم والغبن الاجتماعي، لكن سرعان ما تلقفتها أيادي السياسيين وحولوا مسارها إلى معركة مع النظام، وتحول سقف المطالب من توفير )رغيف الخبز( إلى )تسقط بس( ، والحكومة نفسها ناورت في أيام الاحتجاجات الأولى وأحنت رأسها للعاصفة واعترفت قيادات لها وزنها بأن الرسالة قد وصلت وأن الحكومة والحزب كانا سبباً في ما وصلت إليه البلاد من تدهور اقتصادي واجتماعي، وبعد هذا الاعتراف كنا ننتظر أن تبدأ الحكومة في معالجات حقيقية لأسباب الأزمة لتمتص بها غضب الشارع وتعيد بها هيبتها التي بدأت في العد التنازلي، وبدلاً عن ذلك حاولت أن تقمع الاحتجاجات بالقوة وكانت النتيجة سقوط قتلى، ما كان ينبغي أن يستعمل في مواجهتهم الرصاص الحي وهم عزل، وبدلاً من أن تستفيد الحكومة من تجربة هي الآن ماثلة للعيان، وأعني التجربة الفرنسية وباريس تشهد احتجاجات أصحاب السترات الصفراء، التي رغم امتدادها إلا أن لغة الحوار ظلت هي اللغة المستخدمة بين المحتجين والحكومة ، وأمس الأول اجتمع الرئيس الفرنسي بوسطاء من مخضرمي السياسة الفرنسية للدخول مع المحتجين في حوار مفتوح، تناقش من خلاله كل القضايا التي يطرحها أصحاب السترات الصفراء، وهي تجربة كان يمكن أن تتم في السودان حتى تقطع الحكومة الطريق على معارضي الخارج الذين يريدون استغلال حماس الشباب ونواياهم الصادقة لتصفية حسابات وضغائن قديمة، لكن للأسف الحكومة لم تعِ الدرس ولا تتعلم من الأخطاء.. خلوني أكون أكثر وضوحاً وصراحةً وأقول إن الدائرة حول الرئيس لم تستطع حتى الآن إجادة أصول اللعبة، بدليل أن الأخ الرئيس بصدد القيام بجولة في الولايات ليس لها ما يبررها في هذا التوقيت الصعب، ولن تخدم الرئيس ولا الحكومة في شيء، ومثل هذه الزيارات ترهق ميزانية الولايات المرهقة أصلاً ، وتوجه الأموال المهدرة للحشد والتعبئة، وهي أموال أحق بها الخدمات والبنية التحتية لكثير من مدنها، إضافة إلى أن صناعة الحشود في بلادنا هذه هي مدخل لبعض القطط السمان التي تجيد اللعب في مثل هذه الملاعب، بعدين أو لم يكن أجدى أن يقوم السيد الرئيس بجولات)نت ف الريش( في مؤسساته التنفيذية والسياسية وحتى الإعلامية، التي أكدت الأحداث هشاشتها وعدم استيعابها للصدمة ووقوفها عاجزة عن الدفاع عن الحكومة والحزب، ووقفت تتلقى الصفعات في موقف الدفاع وليس الهجوم، أو لم يكن الأجدى قيامه بجولات )رفع العصا( في الوزارات والمؤسسات الاقتصادية حتى تسرع من إيقاعها وتعمل على إخراجنا من هذه الحفرة، أو لم يكن الأجدى أن تكون الجولة في المؤسسات )المفتوحة بحري( على وزارة المالية بميزانيات مهولة، أكدت الأحداث الأخيرة أنها معزولة وبعيدة عن نبض الشباب وإيقاع حياته وأنها تتحدث وتسمع نفسها، لذلك نصيحتي للأخ الرئيس ولا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيه إن لم يسمعها : إن الاقتراب من قواعد الشعب السوداني لن يكون بمخاطبة المواكب أو الوعود الرنانة، الاقتراب من الشارع السوداني، وهو شارع واعٍ، لن يتم إلا بقرارات إصلاحية جذرية وجراحات عميقة ومواجهة الأخطاء والمخطئين ومحاسبة للفساد والمفسدين مهما كانوا ومن كانوا ، والاستماع إلى مطالب المحتجين في حوار حقيقي تتعهد فيه الرئاسة بالقصاص لدم الشهداء ومعالجة الجرحى على نفقة الدولة، أما ماعدا ذلك فإن من ينصحونك أخي الرئيس بمخاطبة الحشود والتجوال في الولايات يضيعون عليك فرصة عظيمة في اتخاذ القرارات الصاح في الوقت الصاح وهم لن يتحملوا معك المسؤولية أمام الله والتاريخ !!!!
كلمة عزيزة
انزعجت جداً جداً من الخبر الذي تم تناقله على مستوى واسع من الوسائط حول منع طلاب مدرسة “خالد بن الوليد بالحاج يوسف” من الامتحانات النهائية، وسحب أرقام جلوسهم بسبب مشاركتهم في المظاهرات الأخيرة، فقمت باتصال سريع مع مسؤول بوزارة التربية والتعليم ، نفى الخبر جملة وتفصيلاً ووصفه بالشائعة المغرضة التي لا وجود لها على أرض الواقع، لتكون هذه الشائعة واحدة من أساليب الحرب القذرة التي تمارس على الوسائط هذه الأيام ، والتي لم تستثن حتى الأخلاق والأعراف وسمعة الأسر وشرف رجالها ونسائها.
كلمة أعز
اخشي أن تكون هذه الأيام العصيبة هي الفرصة لأصحاب الأجندة من )غرف المال العام ( وأجهزة الدولة مشغولة بالاحتجاجات لترخي قبضتها عن المراقبة والمتابعة وأصلها عائرة وأدوها سوط!!!!