(1 )
معروف مدخل الخدمة العامة في البلاد إذ هناك قوانين تنظمه فمثلاً إذا أردنا قاضياً أو دبلوماسياً أو ضابط جيش أو… فالمطلوب المؤهل الأكاديمي ثم امتحان القدرات والمعاينة ثم التعيين وكيف تكون بداية السلم الوظيفي ونهايته. فهناك القوانين المنظمة للترقيات والفصل من الخدمة. خلاصة الحكي هنا أن هناك قواعد موضوعية تنظم هذا الأمر قلنا موضوعية لأنها ليست مفصلة على شخص محدد بل هي في مواجهة الكافة.. طبعا هذا من ناحية قانونية بحتة أما إذا كانت تدخلات في هذا النظام عن طريق المحسوبية أو الرشوة أو الانتماء الحزبي أو الطبقي أو أي شكل من أشكال التحايل يبعد بالوظيفة عن معايير الكفاءة والمساواة فهذا استثناء واعوجاج يجب تقويمه فتواتر حدوث هذا التجاوز لا يعطيه مشروعية بل يوجب الإسراع بالقضاء عليه.
(2 )
أما منصب الوزير أو الرئيس أو عضو البرلمان فأمره مختلف إذ إن هذه وظائف سياسية الدخول فيها لا يقوم على قواعد موضوعية إنما تخضع لطبيعة وشروط نظام الحكم. ليست هناك معايير محددة فقد تكون هناك شروط داخلية للاختيار فهي في النهاية شروط خاصة، فقد يرفع شعار الرجل بلاش رجل فلنقل الشخص المناسب في المكان المناسب وقد تكون هناك محاصصة جهوية أو جندرية أو عمرية وقد يكون هناك تقيد بالكفاءة وأحياناً يضحى بها لموازنة سياسية هذا الفصل النظري لا يمنع خبرات في الخدمة العامة يمكن أن تتولى منصب الوزير فكثيراً ما نجد طبيباً وزيراً للصحة أو ضابط جيش وزيراً للدفاع أوبيطرياً وزيراً للثروة الحيوانية.. ففي هذه الحالة يكون هذا الخبير قد أصبح سياسياً فالخبرة والكفاءة لا تمنع من ممارسة السياسة.
(3 )
كل الكلام الكتير والمسيخ أعلاه قصدناه رمية لما نحن فيه اليوم من ثورة شعبية مظفرة (على الأقل حتى اليوم) ولعل من إشراقات هذه الثورة أنها وضعت معايير لاختيار الوزراء في الفترة الانتقالية تتخلص في الكفاءة وعدم الانتماء الحزبي ولاشك عندي أن هذه استجابة موفقة للظرف الانتقالي التي تمر به البلاد ولكن تطاول أمد التفاوض والجرجرة أظهرت بوادر للتراجع عن هذه المعايير إذ ظهر من ينادي بالمحاصصة الحزبية (انظر لما يجري في أديس أبابا ) من المؤكد أن هناك من يرى مزايا للمحاصصة الحزبية لكنني أكاد أجزم بأن هناك من يرى أن هذه فرصة لا بد من استغلالها لأنه لا سبيل له عبر صندوق الانتخابات . في تقديري أن أي محاصصة حزبية ولو بنسبة ضئيلة ستكون بمثابة رصاصة في صدر الثورة مع يقيني التام بأن منصب الوزير منصب سياسي بالدرجة الأولى وما أكثر السياسيين غير المتحزبين ثم ثانياً قد يكون الشخص المختار ذا ميول سياسية (يميني \ يساري \ديني\ علماني ) فهذا شيء طبيعي لأن السياسة مواقف ليس هذا فحسب بل قد يكون قد سبق له الانتماء في مرحلة من مراحل حياته وهذا شيء طبيعي فالانتماء السابق و (قصة الريدة القديمة) قد تكون تجربة مفيدة المهم في الأمر ألا يكون في هذه اللحظة منتمياً لحزب يأتمر بأمره وأن يكون واقفاً على مسافة واحد من كل مكونات وزارته البشرية وكذا في سياساته وبالضرورة أن يمنع هذا الوزير من أي منصب سياسي في الفترة التي تلي الفترة الانتقالية لسبب بسيط لأنه قد يكون من المشرعين لقانون الانتخابات القادم هذا في حالة عدم وجود مجلس تشريعي ولكن المؤكد أن الحكومة هي التي سوف تنفذ الانتخابات القادمة إن كان هناك ثمة.