صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الثورة بدت ياداب

14

بلا حدود

هنادي الصديق

الثورة بدت ياداب

كغيري من أبناء وطني لم أمنع نفسي من الفرحة الحذرة فجر أمس عقب إعلان الوسيط الافريقي توصل الفرقاء في قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري لإتفاق كامل ونهائي على الوثيقة الدستورية (آخر محطات الخلاف) بين الطرفين كما ينبغي أن تكون.
ولعل الفرحة المشوبة بحذر مبررة في ظل وجود الكثير جدا من مظاهر القلق التي تبدو على الكثيرين ممن اكتووا بنيران النظام البائد، ويبدو ذلك في تخوفهم من إستمرار العسكر في ممارسة هواياتهم المحببة في النكوص عن عهودهم وإتفاقياتهم خاصة وانهم كانوا مجبرين ومكرهين على هذا الإتفاق.
لا أحد يتمنى أن تستمر الأوضاع على ماهي عليه، خاصة مؤسسات الدولة المختطفة حتى الآن، ولكن أيضا التفاؤل المفرط له سلبياته، فالواقع يقول اننا لم نصل بعد للكثير من المفاهيم التي رددناها كثيرا إبان الثورة ولكننا لم نتجاوز مرحلة الهتاف فيها على ما يبدو، أي أننا لم نتعمق في معانيها، وهذا هو التحدي الذي ينتظرنا جميعا، بداية بالصبر على الحكومة الإنتقالية التي ستأتي محملة بل مثقلة بتركة ملفات يصعب إستيعابها وهضمها، وأبرزها بالتأكيد ملفات الفساد (المتلتلة) وإسترداد ثروات السودان المنهوبة بواسطة النظام السابق، والتي لا زال فلوله يمارسون حياتهم بشكل طبيعي حتى الآن بما في ذلك نهب الثروات.
تطبيق القوانين وإعادة هيكلة الدولة لتواكب شعار المدنية المرفوع هو أكبر التحديات التي تنتظر الحكومة الإنتقالية، والإبتعاد عن فرض السطوة والهيمنة التي مارسها النظام البائد، خاصة سيطرة المركز على حساب الهامش، وتوابعه ما ولد الكثير جدا من الغبن وسط السودانيين من خلال تمييزهم على أسس عرقية وإثنية ونوعية وقبليه وخلافه.
عملية إعادة بناء الدولة تتطلب التجرد من كافة الآفات السابقة والبناء من الأساس والذات، وبتر كافة مظاهر الفساد والإستبداد وإحلال النزاهة والكفاءة والخبرة والتأهيل مكانها، القضاء على الفساد يتضمن كافة مؤسسات الدولة، ولتكن البداية بأجهزة الإعلام التي تشكل الرأي العام بالتأكيد لتعيد له ثقة الشارع بعد تنظيفه من كافة شوائب العهد السابق من قيادات إعلامية وموظفين ومذيعين ومذيعات ومخرجين ومنتجين ألخ، ويكفي ما حدث من أجهزتنا الإعلامية أثناء الثورة من دور سالب جدا ولا زال.
يتبع ذلك إعادة صياغة الأجهزة العدلية بداية من قضاء ونيابة مرورا بالقوات النظامية من جيش وشرطة وأمن، ثم بقية المؤسسات، مع إلغاء الرديف والوهمي منها والذي قضى على أخضر موارد الدولة ويابسها. وقبل ذلك جله لابد من إعادة النظر في سياسة الدولة الخارجية ومعالجة ما أفسدته حكومة الإنقاذ طيلة الثلاثين عاما الماضية، ويتضمن ذلك السفراء والقناصل والملحقين وجميع منسوبي هذه الوزارة التي تدخل في نطاق سيادة الدولة وواجهتها الديبلوماسية.
كل ذلك لن يتحقق مالم نبدأ بأنفسنا في حماية دولة القانون والقضاء الشفاف والسعي بقوة لتحقيق العدالة في إجراء تحقيق نزيه حول المجازر التي إقترفتها يد العسكر بحق المدنيين العُزَل، ومعاقبة كل من تسبب فيها أو عمل على حماية مرتكبيها وإبعادهم من أيدي العدالة حتى اليوم.
ومطلوب أيضا من الشعب حماية حكومته المدنية بإحترام مكتسباته التي أُنجزت عبر دماء ودموع وأرواح الشهداء الشرفاء الذين دفعوا حياتهم مهرا للحرية والإنعتاق من حكم الحزب الواحد والفساد والقهر، نعم شهداؤنا غابوا عن الأعين ولكنهم حتما باقون في القلوب، وردا لدينهم في رقاب الجميع حماية الطريق الذي رصفوه بدمائهم حتى يسير الشعب فلا يتعب.
لنوقف الإحتفالات قليلا، (فالثورة بدت ياداب) وما تحقق من إتفاقيات لا تعدو كونها خطوة في رحلة الألف ميل، والإصرار على مواصلة الثورة يتطلب عزيمة فولاذية متوفرة بكثرة في جينات الشعب السوداني.
نواصل،،،

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد