:: ومن الأخبار غير المطمئنة، وما أكثرها في بلادنا، اتفاق وزارة الصحة مع شعبة مستوردي الأدوية على تسعير الأدوية بسعر دولار المسماة بآلية صناع السوق )47.5 جنيه(، أي اتفقا على زيادة أسعار الأدوية.. ويقول رئيس لجنة الصحة الفرعية بالبرلمان ورئيس غرفة مستوردي الأدوية صلاح هاشم سوار الذهب، إن الجانبين اتفقا أيضا على تخفيض أسعار الدواء المستوردة بنسبة )25%(، أي تخفيض في أسعار التسجيل.. ولكن لا معنى لهذا التخفيض مع تحريك سعر دولار الدواء من )30 جنيها( إلى )47.5 جنيه(، حسب الاتفاق.
:: وبما أن وزارة المالية والبنك المركزي – كالعهد بهما دائماً – لن يوفرا لشركات الأدوية الدولار بسعر الآلية المتفق عليه )47.5 جنيه(، فإن البلاد إما على موعد مع فجوة دوائية لتوقف الشركات عن الاستيراد، أو على موعد مع ارتفاع جنوني في أسعار الأدوية في حال استيراد الشركات بأسعار )الأسواق السوداء(، وليس هناك أي خيار آخر.. أكرر، لقد التزمت الشركات ووافقت على تخفيض أسعار الأدوية بنسبة )25%(، وهي على هذا التخفيض تستحق الإشادة، ولكن لن تلتزم وزارة المالية وبنك السودان باتفاق توفير النقد الأجنبي لهذه الشركات حسب سعر الآلية )47.5%(.
:: ثم إلى متى يلاحق المريض سعر الصرف غير المستقر؟ وهل من العدل والعقل أن تقفز أسعار الأدوية شهرياً، تارة بسعر الحكومة وآليتها وبنكها المركزي وتارة بسعر السوق الأسود؟.. ومن الغرائب أن الحكومة تتباهى بأنها تدعم ما تسميها بالسلع الاستراتيجية، ثم تختزل هذه الاستراتيجية في الوقود والرغيف، وكأن الأدوية من الكماليات.. فأي دعم حكومي كان يجب أن يكون )للأدوية أولاً(، أي قبل أي سلع.. للرغيف بدائل، ثم إن أزمة الوقود لا تقتل الناس، ولكن لا بديل للأدوية غير الموت.. ولذلك فإن رفع الدعم عن الأدوية كان وما يزال )خطأ فادحاً(.
:: وعلى مجلس الوزراء التراجع عن )القرار الخاطئ(، ولو بدعم أدوية الأمراض المزمنة، وهي الأكثر استهلاكاً لميزانية الأسر.. علماً بأن الحكومة لم ترفع الدعم عن الأدوية لعجزها عن الدعم، ولكن لعجزها عن ضبط وتوظيف )الدعم(.. نعم، لقد عجزت وزارات الصحة والمالية والعدل والبنك المركزي ومجلس الأدوية وكل الأجهزة الأمنية والشرطية والعدلية عن حماية ميزانية الأدوية بحيث تصرف في )الأدوية فقط(.. وكانت قاصمة الظهر، أي التي أرغمت المالية على رفع الدعم، هي فضيحة الشركات – 34 شركة – التي زورت واستولت على النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الأدوية.
:: وأمام الفساد وسوء الإدارة وغياب الرقابة، لم تجد الحكومة )حلاً عادلاً(، فقررت أن ترفع دعمها عن الأدوية.. وهذا ليس حلاً في ظل عدم استقرار سعر الصرف.. كانت هناك وسائل لإخراج رأس الثور من الجرة، وليس من بينها قطع رأس الثور، أو كما فعلت الحكومة.. إعفاء المسؤولين عن سرقة دولار الأدوية بحيث يحل محلهم الأقوياء والأمناء كان حلاً لضعف السلطات الرقابية وعجزها عن حماية ميزانية الأدوية.. وضرب الشركات الفاسدة بقوة القانون كان حلاً لحسم الفساد.. ولكن للأسف، لجأت الحكومة إلى نهج )ياخ أنا مالي؟(، ليدفع المواطن ثمن فسادهم.