> في 30 يونيو 1989م ، أعلنت القوات المسلحة عن بيانها الأول الذي أذاعه صباح يوم الجمعة عميد أ.ح عمر حسن أحمد البشير ، رئيس مجلس قيادة الثورة ببزة عسكرية يبدو على لابسها آثار (البداوة) الواضحة ، والكد والكفاح الذي كان طابعاً لكل أفراد قوات الشعب المسلحة ، قبل أن تظهر في العهد البائد استثمارات القوات المسلحة في (التجارة والطب) بعد أن خرجت من الغابة وميادين المعارك ودخلت مع شيوخ الحركة الإسلامية للأسواق بعد أن خرجوا من المساجد.
> العميد عمر حسن أحمد البشير أعلن في بيانه الأول أن الأسباب التي جعلتهم يستلموا السلطة وينقلبوا على النظام الديمقراطي هو تدهور الأوضاع وتراجع الاقتصاد ، فكيف هو الحال الآن والأوضاع تتدهور بصورة أكبر والاقتصاد يتراجع بصورة مخيفة لتكون الثورة الآن أكثر شرعية ، خاصة أن الانتفاضة الحالية كانت ضد نظام مستبد وقمعي وجاء للحكم بصورة غير شرعية.
> يقول العميد عمر البشير في بيانه الأول ? لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخيم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو لارتفاع أسعارها مما جعل الكثير من أبنا ءالوطن يعيشون على حافة المجاعة وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة).
> عمر البشير وقتها كان يتحدث عن الأوضاع قبل 89 ، ولا يتحدث عن الوضع الحالي الذي كنا فيه أكثر سوءاً وتدهوراً… الوضع الذي ضبطت فيه 20 مليون في خزينة الرئيس ووجدت فيه 315 مليون ريال سعودي للرئيس المخلوع في حسابه بأحد البنوك… وما خفي كان أكثر.
> ما كان يتحدث عنه البشير قبل أن يأتي هو عينه ما أتى به النظام السابق وثبته وأشاع له والبشير يقول : (لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الإداري ضاعت بين يديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام .).
> هذا هو ما حدث في فترة الإنقاذ تماماً ..فساد سياسي …وصالح عام …وانهيار للخدمة المدنية وتقديم الفاشلين.
(2)
> والبشير الذي كانت (الحكومة) لا تصمد في فترته أكثر من 45 يوماً ..يتحدث عن كثرة تشكيل الحكومات في فترة الديمقراطية : (حيث عبرت على البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة ما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها).
> والرئيس المخلوع يتحدث هنا عن الفترة السابقة قبل 89 ولا يتحدث عن فترته التي كانت تجسيداً فعلياً لهذا الذي أشار له في بيانه الأول : (لقد عشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة ومؤسسات الحكم الرسمية دستورية فاشلة ، وإرادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة وبشراء الذمم والتهريج السياسي ، ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحاً لإخراج قرارات السادة ، ومشهداً للصراعات والفوضى).
> في فترة الإنقاذ فقدنا بسبب الحروبات ثلث مساحة الوطن بعد انفصال الجنوب وفقدنا السيطرة على حلايب والفشقة ، ووصلت الحروب حتى ولاية النيل الأزرق بعد (الإبادة) التي حدثت في دارفور.
> بل إن قوات العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم دخلت حتى أم درمان والرئيس المخلوع كان في بيانه الأول يقول : (العبث السياسي قد أفشل الحرية والديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارته النعرات العنصرية والقبلية في حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب في مأساة وطنية وسياسية).
> كل هذه الأشياء هي عينها التي جاء بها البشير ونظامه ، حيث بلغنا أقصى مدى للنعرات العنصرية والقبلية.
> السودان الذي عاش أسوأ علاقاته الخارجية في فترة البشير حتى أصبح السودان في عزلة دولية كان يتحدث عنه البشير في البيان رقم واحد :(أيها المواطنون لقد كان السودان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعب والدول الصديقة كما أنه أصبح اليوم في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالاً للصراع الحزبي وكادت البلاد تفقد كل صداقاتها على الساحة الأفريقية).
(3)
> ومثلما حلل البشير لانقلابه ولتدخل القوات المسلحة وقتها ، فإن للثورة الظافرة الآن ولقواتنا المسلحة أن تقول ما كان يقوله البشير في بيانه الأول : (تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعاً في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية في الفتنة والسياسة وتأمين الوطن وانهيار كيانه وتمزق أرضه ومن أجل إبعاد المواطنين من الخوف والتشرد والجوع والشقاء والمرض).