من الأنباء العجيبة أن مجلس السيادة أطلق توجيها (لقيطاً) مجهول الاتجاه والجهة، لعدم تحديده الجهة التي يوجهها بفرض مزيد من الضوابط والسيطرة على الأوضاع في المناطق التي شهدت وقوع أحداث بولايات دارفور وكردفان، فمنطوق هذا التوجيه العجيب يقرأ (وجه مجلس السيادة بفرض مزيد من الضوابط والسيطرة على الأوضاع في المناطق التي شهدت وقوع أحداث ..الخ التوجيه الذي لم يوضع في بريد أي جهة)، وبدا من هذا التوجيه الغريب كأنما البرهان رئيس مجلس السيادة يوجه البرهان قائد الجيش والمسؤول عن كل القوى الأمنية الأخرى، فليس من جهة معنية بمثل هذا التوجيه المختص بفرض الأمن ولجم التفلتات غير القوات النظامية، هذا غير أن هذا (التوجيه) على علاته جاء متأخراً جداً ومتخلفاً عن وتيرة الأحداث الدموية المؤسفة، التي أودت بحياة العشرات وسقوط عدد من الضحايا واتلاف الممتلكات واحراق المنازل، فمنذ يوم السبت الماضي اندلعت أحداث معسكر (كرينك) الكائن على بعد حوالي70 كلم شرقي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وظلت في تصاعد أول أمس الأحد، وماتزال الأوضاع في غاية الخطورة ومرشحة لمزيد من العنف والقتل والحرق، ورغم هذا الحدث المأساوي الدامي لم تتحرك أية جهة أمنية لاحتوائه، لا على مستوى الولاية والاقليم ولا على مستوى المركز، سوى هذا التوجيه الفطير الذي خرج من مجلس السيادة و (شقشقات) مناوي حاكم الاقليم على مواقع التواصل وأحاديثه الشفاهية داخل المكاتب بعد وصوله نيالا وحتى هذه جاءت بعد خراب كرينك، وكذا كان الحال مع الأحداث الدموية التي وقعت بولايتي غرب وجنوب كردفان، في منطقتي ابوجبيهة والنهود..
فيا سادة مجلس السيادة، من المعيب ان تصدروا مثل هذا التوجيه الهلامي الهوائي، ورئيسكم الذي عينكم بعد انقلابه بين ظهرانيكم بل ورأس اجتماعكم هذا، وهو الى جانب ذلك يعد المسؤول الأمني الأول في البلاد، اضافة الى زملائكم السياديين من القيادات العسكرية، ولم يكن أمر بسط الأمن والسيطرة على التفلتات الامنية واسعة النطاق، يحتاج منكم لاصدار هذا التوجيه الخجول، بل كان يستحق منكم توجيه صوت لوم قوي للقيادات الامنية لتفريطها في مسؤولياتها الأمنية مما تسبب في فقدان عشرات الارواح وعشرات الجرحى، ولكن أنى لكم هذه الشجاعة والمثل الدارفوري يقول (دبيب في خشمو جراداي ولا بعضي)، وهل تستطيعون عض اليد التي حملتكم الى هذا الموقع، أما سيادة البرهان المسؤول الأمني الاول، ما كان له ان ينتظر توجيه، فالمسؤول الاول يأمر ويتخذ القرارات ولا يوجه أو يطلب خاصة في شأن كهذا لايجوز فيه التباطؤ وانتظار التوجيهات، فالمؤكد ان البرهان بهذه الصفة يعلم تفاصيل تفاصيل هذه الاحداث، ولهذا لم يكن المتوقع منه الانتظار حتى عقد اجتماعكم هذا وصدور توجيهكم الهلامي، وتذكرني حكاية توجيه السيادي هذه بمشهد في مسرحية (الزعيم) الشهيرة لملك الكوميديا عادل امام، فحين أكثر ممثل الكومبارس المغمور زينهم الذي خدمه وجه الشبه الكبير بينه وبين رئيس الدولة المتوفي بأن احتل مكانه، حين أكثر من طلباته الغريبة من شاكلة (لو ممكن سندوتش بيرقر) و(سلفوني عشرة جنيه)، صرخ فيه كبير الوزراء (ايه الطلبات الغريبة دي انت رئيس الجمهورية، البلد كلها تحت أمرك، الرئيس يأمر ولا يطلب)..وعليه وعطفا على توجيهكم (الهوائي) فان التفلتات ستتمدد و (ستمد رجليها)، على طريقة الامام أبي حنيفة، حين اكتشف ان سائله عن مسألة شخص غبي وليس عالما كما توهم، مد رجليه وقال عبارته التي جرت مثلاً (آنَ لأبي حنيفة أن يمد رجليه)..
الجريدة
٠