من غرائب الأمور أن يظهر البرلمان فجأة للبحث عن حلول عاجلة لمشكلة السيولة!.
مشكلة الكاش وشُح السيولة التي تعاني منها البنوك وتحولت الى أكبر أزمة اقتصادية شهدتها البلاد منذ الاستقلال، أطلت برأسها منتصف 2017 واستفحلت العام الماضي، لتزداد سوءاً العام الحالي.. لكن البرلمان الذي يمثل هموم الشعب السوداني لم يستشعر المخاطر الاقتصادية إلا أمس، وهو يطلب استدعاء محافظ البنك المركزي الأسبوع القادم للإجابة عن السؤال حول موقف البنوك من السيولة، وذلك بحسب تصريح عبد الله مسار رئيس لجنة الصناعة والتجارة.. ولم ينسَ رئيس اللجنة أن يلفت الانتباه الى اهتمام البرلمان بقضية السيولة وإيجاد حلول عاجلة لها.
لو أن البرلمان ورئيس لجنته المطالبة باستدعاء محافظ البنك المركزي من المتابعين لمشكلة السيولة فقط من خلال أجهزة الإعلام في القنوات الفضائية والإذاعات والصحف لوجد الإجابة عن السؤال الذي ينوي طرحه على المحافظ دون تكليف الرجل مشقة قطع كوبري النيل الأبيض من مقر عمله الى القبة..أما اذا كان السيد مسار وكل أعضاء البرلمان من المتأثرين في معاشهم اليومي من شح الكاش، فلن يرهق نفسه في رحلة بحث عن حلول عاجلة.. حل عاجل بعد أكثر من عام ونصف العام على الأزمة..
الواقع المعاش يكذب أي كلام مرسل حول التوصل الى حلول لأزمة الكاش والسيولة بالبنوك.. بل إن كل المؤشرات باتجاه توقع الأسوأ في ظل خروج الكتلة النقدية من النظام المصرفي وانتقالها الى أيدي الجمهور .
البنوك لا تستطيع أن تدفع قيمة نقدية لشيك بمبلغ خمسة آلاف جنيه، في الوقت الذي تمتلئ فيه خزانات التجار وجيوب الباعة بالأوراق النقدية ويتم التداول بشكل عادي جداً في الأسواق والبقالات ومحطات الوقود ومحلات بيع الغاز وشراء تذاكر الطيران والمستشفيات والصيدليات وغيرها من التعاملات النقدية .
قبل أسبوعين جاءت تصريحات رسمية نشرتها الصحف حول توفير البنك المركزي لمبلغ 250 مليار جنيه وتسليمها للبنوك لمقابلة احتياجات العملاء.. سألت عدداً من مدراء البنوك لتأتي الحقيقة المرة بأن المبلغ لم يكن بذاك الحجم المُعلن وأنه مخصص لمرتبات العاملين وليس للعملاء، وحتى المرتبات لم يكفِ تغطيتها بالكامل.
كثيرون رأوا أن اتجاه البنك المركزي نحو تغيير فئة الخمسين جنيهاً قد تؤدي الى انفراج نسبي في مشكلة شح النقد بالبنوك لأنها تمثل نسبة مقدرة من حجم النقد المتداول لدى الجمهور.. لكن ما لم يصدر قرار بمنع القطاعات الحكومية من التعامل بالكاش وحصر التداول عبر الشيكات والتحويل المصرفي والدفع الإلكتروني، فلن تأتي سيطرة البنوك على فئة الخمسين جنيهاً بنتائج، وسيظل الجنيه في حالة انهيار.