وجدت وزيرة الخارجية الجديدة نقداً خشناً في المواقع ومجموعات الاتصال الجماهيري بسبب الإفادات التي جاءت على لسانها في القنوات الفضائية وردودها على أسئلة الصحافيين وترددها في الإفصاح عن سياسة حكومتها، والوزيرة أسماء لم يعرف عنها نشاط سياسي معلن طوال الثلاثين عاماً الماضية ، ولم تطل على المنابر الإعلامية المفتوحة أو تخاطب حشوداً جماهيرية قد تكون لها أدوار تنظيمية داخل الحزب الشيوعي غير معلومة لعامة الناس، وربما كانت من قيادات الحزب غير المعلنة، ولذلك جاء اختيارها في هذه المرحلة التي تقتضي الدفع بمثل هذه الوجوه.
والوزيرة الجديدة لا تصنع سياسات الدولة، ولكنها تعبر عنها والسياسة هنا تصنعها قوى الحرية والتغيير الحاكمة ويعبر عنها وزراء الحكومة وحتى اللحظة لم تعلن الحكومة عن سياستها الخارجية إلا بضع شذرات هنا وهناك، والحديث العجول المتهافت للتطبيع مع إسرائيل ربما يعبر عن بعض أشواق وزراء وقيادات في “قحت” مثل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الأنصاري الفرحان مفرح، ولكن حتى الحزب الشيوعي الذي يملك أغلبية داخل الحكومة الانتقالية تاريحياً كانت له مواقف مناوئة لإسرائيل وكل الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي والأفريقي ظلت تقف مع حق الشعب الفلسطيني ودعمت الكفاح المسلح ضد إسرائيل.
أما حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ذاق المر من دول التطبيع فقد باع للناس شعارات ثورية ومواقف شجاعة عبرت عن ضمير الشارع العربي في المقاومة والنضال في مواجهة قوى التطبيع مع إسرائيل حتى أصبحت دمشق وبغداد أيقونة عند العرب من المحيط إلى الخليج فكيف يبيع البعثيون كل هذا التاريخ الوضيء ويهرعون إلى لعق أحذية اليانكي الأمريكي ويسجل التاريخ أنهم أول من جعل الخرطوم تدخل نادي التطبيع وتصبح في ركب المطبعين.
الوقت الآن مبكر جدًا لتكشف الحكومة كل أوراقها للرأي العام، وتقول كلمتها وتحدد خيارات تعاملها مع الآخرين وحتى مسألة سحب القوات السودانية من اليمن هي قضية لها ارتباط وثيق بالاتفاقيات التي وقعتها الدولة وتملك الحكومة حق مراجعة تلك الاتفاقيات بما يحقق المصلحة العامة الوطنية للدولة والمجتمع، وبالطبع مشاركة القوات المسلحة في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن له إيجابيات عديدة وسلبيات، ومن إيجابياته الأثر الاقتصادي لقطاع عريض جداً من المواطنين الذين استفادوا من المردود المادي لأبنائهم الجنود في اليمن حيث طرأت تغيرات كبيرة وسط القطاع الاجتماعي الممتد من أم دافوق حتى الكرمك المعروف بحزام السافنا حيث أغلب الجنود من ذلك الحزام وأغلب الضباط من السودان النيلي، كل هؤلاء تغيرت حياتهم الاجتماعية وسبل كسب عيشهم بعد عودة فلذات الأكباد من اليمن، لذلك قرار سحب القوات المسلحة من اليمن لا تقرر فيه أسماء محمد عبد الله وحدها ولا مجلس الوزراء لوحده ولا المجلس السيادي لوحده مثل هذا القرار يصدره اجتماع مشترك للسيادي ومجلس الوزراء ويصادق عليه البرلمان الذي لم يتم تكوينه بعد .
وفي سياق ذات الحديث العجول بدأت حملة أيضا مناوئة لكل ما هو قديم ومرتبط بالتوجه الحضاري للحكومة السابقة، وقد ناهض البعض الدعوة لتغيير شعار تلفزيون السودان الذي تم تصميمه ليعبر عن مرحلة انتهت الآن عملياً، ولم يعد شعار لا إله إلا الله التوحيدي يعبر عن قوى الحرية والتغيير، وبالتالي هي تسعى لتغييره بشعارات تتوافق مع ثقافتها وعقيدتها وفكرها وتوجهها الثقافي، ولها الحق أن تبدل لا إله إلا الله بما يروق لها ولا إله إلا الله باقية في صدور المؤمنين حتى قيام الساعة، ومهما علت رايات العلمانية واتخذت بعض القوى اليسارية من محاربة كل ما هو إسلامي، فإن ذلك لن يغير من واقع الأمة، وعلى التيار الإسلامي الصبر حتى ينفد ما في جعبة اليسار من غلو وتطرف وحينما تأتي الانتخابات يعرض الجميع بضاعتهم ليختار الشعب دون إملاء ما يعتقد أنه الصواب.
دعوا الحكومة الانتقالية تبدأ أولى خطوات مسيرة الثلاث سنوات وتمهلوا في الأحكام ووزراء الحكومة أغلبهم من من لا خبرة لهم بشأن الحكم يا سادة فلا تغلظوا عليهم باكراً.