حصدت حملات الفلول ودعواتهم للخروج ضد الحكومة بالأمس صفراً ضخماً في حسابات السياسة، وكان جلياً ان هذه الحملات على شاكلة (اختونا) ستمنح الحكومة صكوكاً جديدة للولاء وتجديد الثقة من قبل الشارع الثوري، وإن حتى الثوار الذين كانوا ينادون بالإسقاط آثروا في نفوسهم الخروج الى الشارع حتى لا يمنحوا بقايا النظام البائد سانحة للتسلل عبر نوافذهم، فهم يعلمون انهم لا يستطيعون الخروج لوحدهم دون الاختباء خلف شعارات ثورة ديسمبر المجيدة ، وواجهاتها.
وبالأمس كنت قد وصفت حملة (اختونا) بأنها حملة غبية ، لأنها لا تعلم ان ما تقوم به هو اعظم هدية ستقدمها للحكومة الحالية، فبعد ان انقسم الشارع مابين دعوات الاصلاح والإسقاط ، كان يجب للفلول أن تترك الشارع لدعاة الإسقاط حتى تثبت للشعب فشل الحكومة بقياس حجم الشارع الذي أتى بها، والذي يريدها ان ترحل الآن ، وتقف بعيداً تراقب المشهد عن كثب، لأن حكومة يخرج عليها الموالون لها، أخطر عليها من ان تخرج عليها المعارضة ، ( المعارضة من عينة الفلول) هذا سبب أول.
ثأني أسباب الغباء ، ان الفلول مازالت لا تدرك انها فقدت ثقة المواطن فقدان نهائي وصلت مشاعره شفِير النفور والُكره والغبن ، وهذه المشاعر السالبة التي تسكن أغوار قلوب أغلبية الشعب السوداني لن تستطيع ممحاة الظروف الاقتصادية ان تزيلها ، و( المعدة لا علاقة بما بقياس المشاعر والاحاسيس القلبية تجاه الآخرين ) فلو علمت الفلول انها فقدت القبول لاختصرت عليها كل هذا الجهد والعناء والخسارات الفادحة والمتكررة ووفرت انفاق الأموال ، من أجل الحصول على شئ لن يحدث بكل حيثيات الواقع.
فخروجهم للشارع جعل الثوار يلتفون حول حكومتهم من جديد، (أنا وأبن عمي على الغريب) ورفعوا شعارات واضحة تقدمت بها بعض مواكب لجان المقاومة كتب عليها (الموت ولا الكيزان)، لمنازلة بقايا النظام البائد أنستهم غضبهم من الحكومة ، وهذا إن دلّ انما يدل على ان ثورة ديسمبر ثورة وعي نابعة من عمق الفكرة والمبدأ.
ومواكب الأمس الخجولة ، برهنت لهم وللتاريخ ، أن المواجهة مع الثورة حتماً خاسرة، لكن الفاجعة لهم هي ان يوم امس كان جرة سكبوا فيها كل عصير أحلامهم وعشمهم وأمانيهم، كما انه يوم يأتي بعد هزائم متتالية فبعد عمليات التخريب الاقتصادي والأمني والاجتماعي ببث الشائعة والعمل على التحكم في عقول البسطاء بحجة الدين والخوف على الوطن، والتي لم تحقق لهم (مرادهم) كان الشارع آخر حيلهم، ولكن (حيل بينهم وبين مايشتهون) فهذه خسارة لا يمكن تعويضها لا آجلا ولا عاجلاً ، لأن الندم والحسرة يكمن في انهم مع خسارتهم للماضي كامبراطورية قوية، ولكنهم مجبرون ان ينعوا حاضرهم كمعارضة تبين انها ضعيفة للغاية لأنها عجزت عن اسقاط حكومة تصفها دائماً انها أوهن من بيت العنكبوت.
ولأن هذ الشعب الكريم لا يستحق إلا أن يعيش آمناً مطمئناً، فشلت خططهم للتخريب واحداث فوضى أمنية ، وتم القبض على الذين يحملون السلاح الابيض ونجحت لجنة إزالة التفكيك في ان تسبقهم بخطوة ، لتحبط كل محاولاتهم وتسقيهم كأساً جديداً من المُر كما عودتهم دائماً.
كما أن شرفاء الشرطة قدموا درساً قوياً لهم ولكل المتخاذلين والمتمردين والذين ظنوا ان بتخاذلهم وتثبيطهم للهمم سيكون هذا اليوم نهاية ووأد لأحلام الذين يمنون أنفسهم بالعيش في وطن معافى آمن وخاب ظنهم.
لذلك إن آخر حصادهم بالأمس أن حبطت أعمالهم ، وبعدها، إنقلبوا خاسرين.
طيف أخير :
وطني لقيتكَ بعد يأسٍ كأني قد لقيتُ بك الشبابا
وكل مسافرٍ سيؤوبُ يوماً إِذا رزقَ السلامة والإِيابا