أقولها متحسراً إنني لست متفائلاً البتة من مآلات الاوضاع الحالية، ولا ارى اي بصيص امل لتجاوز العقبات الكؤود التي تكتنف المشهد السياسي الملبد بالغيوم، سيما بعد (الانقلاب) الذي أحدثته الجبهة الثورية على قوى الحرية والتغيير (قحت) التي اتضح انها لا تمثل الجبهة الثورية ولا علاقة لها بها من قريب او بعيد!
نعم، لا ارى بصيص امل الا بعمليات جراحية معقدة لا أظن أن قوانا السياسية مؤهلة اخلاقياً لاجرائها، فكل منها خاضع لشح نفسه الامارة بالسوء.. اما الوطن الجريح.. اما الوطن الجريح.. اما الوطن الجريح فلا بواكي له ولا وجيع!
من يصدق أن تقوم قوى الحرية والتغيير بالتفاوض مع المجلس العسكري وتتوصل معه الى اتفاقية يحتفي بها الاتحاد الافريقي والترويكا والاتحاد الاوروبي، ثم يتضح انها لا تعبر عن احدى اهم مكونات (قحت) المتمثلة في الجبهة الثورية، بمعنى أن (قحت) لم تكن تحمل تفويضاً من الجبهة الثورية بالرغم من انها تعتبر جزءاً منها؟!
لم أدهش وأتوجع للمناصب التي قيل إن الجبهة الثورية طالبت بها في السلطة الانتقالية، إنما دهشت للشروط التعجيزية التي رفعتها والتي تطلب فيها التزامات من (السلطة الانتقالية) بابرام اتفاق سلام شامل مع الجبهة الثورية لا اراه يختلف كثيراً عن اتفاق نيفاشا الذي استغرق التفاوض حوله سنين عددا!
ضحكت وفي نفس الوقت كدت ابكي ان اتفاق السلام الذي يفترض ان يبرم بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية يمثل ــ حسب تصور الجبهة ــ مرجعية عليا تسود على الاعلان الدستوري والاتفاق السياسي، بل ان اتفاق السلام الشامل يتضمن شرطاً باعادة هيكلة القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن ودعم سريع، وكذلك ينص على الا تجرى انتخابات قبل تحقيق اتفاق السلام الشامل الذي ينبغي أن يعالج قضية علاقة الدين بالدولة التي تعلمون انها تشكل مشكلة كبرى لمعسكر بني علمان بقيادة الحزب الشيوعي الحاشر أنفه في كل هذه التحالفات!!
بالله عليكم هل هذه القضايا والشروط التعجيزية تخص (قحت) التي لا علاقة لها بالسلطة الانتقالية (حتى الآن)، أم المجلس العسكري الحاكم وما الذي يجعل (قحت) تناقشها بالرغم من انها ليست السلطة الانتقالية؟!
دهشت أن الجبهة الثورية رفعت سقف مطالبها حيث اصبحت تتفاوض من علٍ وكأن قواتها تقف على ابواب الخرطوم طالبة استسلامها لجحافل الغزاة المنتصرين!!
يعلم راعي الضأن في البوادي ان الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية تلقت ضربات موجعة خلال الفترة السابقة لانهيار نظام البشير، وقد أسهمت قوات الدعم السريع في كسر ظهر تلك الحركات التي ما عاد لها وجود يذكر الا في دولة جنوب السودان وليبيا، حيث تساند قوات فصائل الحركات المسلحة التابعة للجبهة الثورية الاطراف المتحاربة في ليبيا كمرتزقة!
معلوم أن جلسات التفاوض بين النظام السابق والجبهة الثورية المنهزمة اوشكت أن تنتهي الى تحقيق سلام، ولم يكونوا يطمعون في عشر معشار ما يطالبون به اليوم من سلطة ومن شروط تعجيزية أخرى.
قبل أيام قليلة جلس نائب رئيس المجلس العسكري القائد حميدتي مع حركتي جبريل في اريتريا ومناوي في تشاد، وتوصل معهما الى تفاهمات كان ينبغي ان تستكمل في شكل اتفاق يعيد تلك الحركات الى حضن الوطن، فما الذي جد حتى يفتح تفاوض جديد بين (قحت) والجبهة الثورية التي يفترض انها جزء من (قحت)، وبالتالي ينبغي ان تكون مضمنة في الاتفاق السياسي المبرم بين المجلس العسكري و (قحت)؟!
ذلك وغيره يكشف هشاشة ذلك التحالف الهزيل الذي ضم مكونات متشاكسة ومتناقضة لا يفكر كل منها الا في مكاسبه الانانية الرخيصة والصغيرة، خاصة كبير المتآمرين الحزب الشيوعي الذي أكاد اشم رائحته الكريهة في مطلوبات الجبهة الثورية التعجيزية!!
أقول ناصحاً المجلس العسكري ان يتولى التفاوض بنفسه، فهو السلطة النظيرة لنظام البشير، وعليه ان يبدأ التفاوض من حيث انتهى مع النظام السابق، فلا شروط وسقوف جديدة ولا يحزنون، فالجبهة الثورية لا تملك قوة على الارض تجعلها تتعجرف وتطلب المستحيل سيما مكونها الممثل في الحركة الشعبية / قطاع الشمال (عرمان وعقار) والذي ما عاد يمثل شيئاً بعد ان طرد من جبال النوبة وجرد من سلاحه وبات يهيم على وجهه بين العواصم مستجدياً اعترافاً ودوراً جديداً يسد به رمقه!!
ثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية عن كل ما ذكرنا، وهي أن المجلس العسكري و (قحت) تركا الفريضة واشتغلا بالنافلة، ذلك ان القوى المسلحة المتمردة الاكبر والاخطر هي قطاع الشمال/ الحلو و Mr. NO عبد الواحد محمد نور الذي يتحكم في معظم النازحين الذين يشكلون معضلة يجب أن تحل، سيما أنها ذات تأثير على موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من القوانين الصادرة حول سلام دارفور والتي تؤثر في العقوبات الدولية وفي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
في هذا الصدد ينبغي ألا نغفل الدور الخبيث الذي يمارسه الشيوعي محمد يوسف المصطفى القيادي بفصيل عبد العزيز الحلو في الحركة الشعبية، وهل يجوز لنا أن ننسى وقفته المخزية أمام القيادة العامة وحديثه عن (سودان جديد أو لا سودان) وهو يرتدي علم الحركة الشعبية ودولة جنوب السودان؟!
ظللت أحذر من داخل البرلمان ومن خارجه من تكرار تجربة قرنق الذي لم يعترف بانتفاضة ابريل 1985م ولا بحكومة السيد الصادق المهدي الديمقراطية التي جاءت عبر الانتخابات، وظل حاملاً للسلاح محارباً لذلك الحكم الديمقراطي منهكاً لاقتصاده ومضعفاً لامنه واستقراره حتى ارداه قتيلاً.
ذلك يكشف أهمية إيلاء قضية السلام اهتماماً عظيماً، وإلا فإن عدم التوصل إلى سلام يهدد الفترة الانتقالية ثم الفترة التالية لها.