الحقيقة البدهية تقول إن الطبيعة لا تعرف الفراغ ولا تحبه، وأينما يوجد فراغ يوجد من يملأه، فلو أنك مثلا أفرغت كوبا من الماء فلن يبقى فارغا، اذ سيسرع الهواء المحيط بالكوب ليحتل هذا الفراغ، والمثل السوداني الشعبي يقول (المال السايب يعلم السرقة) وعلى ذلك قس، وبهذا القياس نجد أن الفراغ الذي تركناه في منطقة الفشقة هو ما أغرى المزارعون الاثيوبيون المسنودين بالمليشيا والجيش لاحتلالها واستغلالها، خاصة وأن هذه المنطقة السودانية معروفة بخصوبة أراضيها العالية ومناخها المطير ما جعلها منطقة زراعية بامتياز، ولهذا يبقى من المهم جدا بعد استكمال استعادة أراضينا المغتصبة، أن نعمل بجد وهمة لاعمارها بما يجعلها منطقة جاذبة للسكن مأهولة بالسكان حتى تتم سودنتها بالكامل، ذلك من خلال توفير الخدمات كافة من تعليم وصحة وأمن وخلافها وربطها بمدن الشرق القضارف وكسلا بطرق معبدة تجعل الطريق منها واليها سالكا، وهذا يستلزم وضع خطة إستراتيجية متكاملة لتنميتها مع التركيز على أهم المقومات التي تساعد على ذلك، كتعزيز أمن الحدود الذي لا يكفي فيه الوجود العسكري فحسب بل والأهم تمدين الحياة فيها، لما للمناطق الحدودية من اهمية في علاقتها بالوضع الداخلي من جهة، وكذلك في علاقة الدولة مع دول الجوار، وعلى المدى المنظور ولتثبيت سودانية المناطق الحدودية التابعة للسودان، لابد من تنفيذ المقترح اللماح الذي تم طرحه من قبل على طاولة قوى الحرية والتغيير واللجنة المعنية باختيار تشكيلة المجلس التشريعي، بضرورة تمثيل مناطق حلايب والفشقة والمناطق الحدودية بعدد من النواب في المجلس التشريعي الانتقالي المزمع تعيينه، وما يلفت اليه النظر هذا المقترح أن النخب السياسية والحكومات السودانية دائما ما تنسى هذه المناطق رغم انها سودانية بتأكيدات الحكومات السودانية المتعاقبة منذ الاستقلال، فلا تشركها في الهم الوطني ولا تمنحها أي نصيب للمشاركة السياسية والتنفيذية الخ، ولهذا ولمزيد من تأكيد سودانيتها واثبات انها جزء من الوطن لابد من استدراك ما فات واشراكها في المجلس التشريعي المنتظر..
لا أحد في السودان يرغب في اثارة أي درجة من العداء والتوتر مع الجارة العزيزة جدا اثيوبيا، لا المواطنون ولا الحكومة، فالاثيوبيون أشقاء كرماء عندنا و تستضيف بلادنا بلا من ولا أذى أعداد مهولة منهم، يقيمون بين ظهرانينا معززين مكرمين لعشرات السنين، بل أن أعداد كبيرة منهم حتى آباءهم ولدوا وترعرعوا في السودان وما يعرفونه عنه أكثر بكثيرعن بلدهم الأصل، ولكن الحق يبقى حقا، والحق كما يقال لا يغضب، وعودة الحق الى نصابه وأهله لا ينبغي أن تغضب أحدا، وليس في الأمر مؤامرة ومتآمرين ولا تهور ومتهورين كما ذهب الى ذلك رئيس وزراء اثيوبيا ابي احمد في خطابه الذي وجهه للشعب السوداني باللغة العربية، ومع تقديرنا للحرص الذي أبداه في أن تظل علاقات البلدين قوية ومتينة، يبقى المطلوب منه عاجلا للحفاظ على متانة وقوة هذه العلاقات أن يكبح مليشياتهم الغادرة ويلجمها من التعدي على الحدود، أما مقترحه بجعل الشريط الحدودي منطقة للتعاون والتآزر الاجتماعي والاقتصادي، يتطلب أولا استعادة السودان لأراضيه وبعدها لكل حادث حديث..�