كما يبدلون الجلباب والعمامة و(مركوب) النمر، نجد شركاء المؤتمر الوطني من الأحزاب يغيرون تصريحاتهم ومواقفهم السياسية حسب الطلب (خارج وداخل) الحكومة، فالبون شاسع ما بين تصريحات الوزراء أثناء المشاركة وبعد مغادرتها، حتى أنه قبل أن يجف مداد حبر قرار إعفاء أحد الوزراء، إلا وصب جام غضبه على حليفه المؤتمر الوطني، في وقت كان يكيل المدح له ولا يتحدث عن أخطائه إبان استوزاره.
بلال في الواجهة
ما جعلنا نفتح الباب على مصراعيه لهذه الخطوة، تصريحات الأمين العام المكلف للحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل، وزير الداخلية السابق أحمد بلال عثمان في برانامج حوار مفتوح بقناة النيل الأزرق، والذي أفردت له صحف الأمس، مساحات واسعة، أحمد بلال حمّل الوطني مسؤولية تدهور الاقتصاد، واعتبر أن (الوطني) ما زال حاكماً بآلياته ومؤسساته ومنظماته، وقطع بأنه إلى هذه اللحظة يتغذى من الحبل السري للدولة ولم يفطم منه.
ليس بلال وحده الذي انتقد الوطني بعد أن أصبح خارج الحكومة، فهنالك العديد من النماذج التي سنتناول بعضها في ثنايا هذا التقرير، ولكن الخطوة تجعلنا نعود لحديث بعض المراقبين بأن الوطني لديه شركاء (كثيرون عند الحاجة، قليلون وقت الشدة)، ويتجسد ذلك في انسحاب عدد من الأحزاب من الحكومة تضامناً مع الاحتجاجات الأخيرة، وحينها وصف الوطني تلك الأحزاب بأنها بلا وزن جماهيري أو سياسي، وأنها تجيد المغامرة السياسية وتغيير المواقف مما يشير لافتقادها مبدئية العمل السياسي.
مسيرة استوزار
كثيرون ذهبوا إلى أن أحمد بلال على علم بأنه لن يكون ضمن طاقم حكومة الكفاءات القادمة، لذلك شن هجوماً على الوطني، بلال من الأسماء التي ظلت تدور في فلك التشكيل الوزاري على مدى ثمانية عشر عاماً منذ ظهوره في عام 2001 في تشكيل ما عرف بحكومة البرنامج الوطني وقتها، حيث تولى حقيبة وزارة الصحة، وظل موجوداً حتى الآن على مدى (18) عاماً، متنقلاً في المناصب الوزارية الخاصة بحصة الحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل، حيث شغل منصب وزير الصحة لأربع سنوات، ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية عشرة أعوام (2005 وحتى 2015)، وبعدها وزيراً للإعلام من (2015) حتى تم إعفاؤه في حل الحكومة، ليتم تعيينه وزيراً للداخلية، إلى ان تم حل الحكومة .
غضبة نهار
ويعد رئيس حزب الأمة الفيدرالي، د.بابكر أحمد نهار هو الأقرب لحادثة أحمد بلال، بيد أنه استمر في الاستوزار لأكثر من (15) عاماً، ومن ثم أعلن انسحاب حزبه بعد هجوم عنيف شنه على حليفه، أرجعه البعض لإبعاده من حكومة معتز موسى، والذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والطلاق البائن بين الحزبين، حيث قاد نهار موجة من الانتقادات على الحزب الحاكم وقتها، وقال أنا أصبحت من المكروهين من قبل قادة الوطني، لأنني (لا أكسر التلج ولا أنافق ولا أكذب)، وقال إن الحكومة وصلت مرحلة انسداد الأفق وعدم القدرة على إنتاج الحلول، مطالباً بتغيير النظام والبحث عن نظام متفق ومتراضٍ عليه، وقال ليست لدينا علاقة زواج كاثوليكي مع المؤتمر الوطني.
إشراقة والحفرة
حتى في انتقادهم للوطني، نجد أحمد بلال وغريمته إشراقة سيد محمود رئيس مشروع الإصلاح والتغيير بالحزب الاتحادي الديمقراطي، محل اختلاف، حيث إن بلال لم يتفق مع إشراقة في أن الوطني انتهى نهاية تامة، بل أكد أنه لم يفطم بعد، وقطعت إشراقة في مؤتمر صحفي بأن الوطني انتهى نهاية تامة، وقالت إنه وقع في الحفرة التي ظل يخطط فيها لإضعاف الأحزاب، وأضافت (فليذهب إلى مزبلة التاريخ)، ودمغت إشراقة عناصر بالوطني بالتخطيط مع دول خارجية للتأسيس لخلافة راشدة، في وقت طالبت جهاز الأمن باعتقال تلك القيادات بدلاً من المتظاهرين.
قيادات بلا قواعد
ويرى الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة أن الأحزاب تتقاسم الكيكة والسلطة مع الوطني، وفي منعرج اللوى ينزلون أثقالهم ويحولون حليفهم إلى شيطانٍ يُرمى بالحجارة والتهم، واعتبر تحميل الوطني وحده تبعات تعقيدات الوضع السياسي الراهن والأزمة الاقتصادية، سلوكاً متحاملاً، وقال طالما أن الكل أقر بوجود مشكلة وإخفاق، فالمسؤولية واحدة ومتساوية، ورأى جمعة أن مثل هذا النوع من القيادات والأحزاب وزرهم مضاعف وذنبهم أعظم، وأضاف غض النظر عن جرأتهم في الحديث والنقد والتبشيع، فالكل يعلم أنهم قيادات بلا قواعد، وأحزاب لا تملك حضوراً في الشارع، واتهمهم بممارسة انتهازية المواقف، لظنهم أن رئيس الجمهورية (خرط يده) ورمى إحرام حزبه وجماعته القديمة، فهبوا يطلبون حوافز الموقف الجديد، وتساءل حامد كيف لا ينغلق الأفق أمام الشباب وأحمد بلال وزير ولاعب أساسي في أيّ تشكيل منذ أن كان الشباب المحتج الآن في الشوارع عشقاً وأمنيات في أعين أمهاتهم؟
علاقة متذبذبة
أما رئيس حزب الأمة ونائب رئيس الوزراء السابق مبارك الفاضل، فعلاقته مع الوطني متذبذبة، تكون أكثر عنفاً عندما تقع خلافات بين الحزبين، فيما تكون أكثر ليونة عند تقاربهما، الفاضل كان أكثر الشركاء دفاعاً عن سياسات الحكومة إبان استوزاره، والكل يذكر دفاعه عن ميزانية (الركابي)، والتي رفض أن لا تعديل يطالها ولو كان (شولة).
كما اتهم وزير العمل السابق حزب التحرير والعدالة بحر إدريس أبوقردة (متنفذين) داخل الدولة وشركات حكومية تنافس القطاع الخاص بالتسبب في الفساد والتخريب الاقتصادي، ودعا لتسليط الطوارئ على المتنفذين الذين حولوا سياسات الدولة لمصالحهم الخاصة، وقال أبوقردة للزميلة الانتباهة، إن المتنفذين قد يكونوا موجودين في مجلس الوزراء وفي السوق وحزب المؤتمر الوطني، وأشار إلى أن الحكومة لم تكشف بصورة واضحة حتى الآن عن القطط السمان، وأكد أن القطط السمان لن يصمتوا.